(وثار لطيفُ النقعِ عِنْد اهتزازها ... فأظلم من نور الظهيرة مَا غطَّى)
(وأهوت إِلَى مَا دُوننَا من رماله ... وأمواهِهِ والصخرِ تنهمها سَرطا)
(فأَدبرَ من لَا يعرفُ السرَّ خِيفةً ... وَأَقْبل مِنْهَا من يروم بهَا سقطا)
(ومدَّ إِلَيْهَا الفيلسوفُ يمينهُ ... فجاذبها أخذا وأوسعَها ضغطا)
(فَصَارَت عَصا فِي كفِّه وأجنَّها ... فأخرجها بيضاءَ تجلو الدُّجى كشطا)
(فَلم أرَ ثعباناً أذلَّ لعالِمٍ ... سواهَا وَلَا مِنْهَا على جاهلٍ أسطى)
(هِيَ المركبُ الصعبُ المرامِ وإنَّها ... ذلولٌ ولكنْ لَا لكلِّ من استمطى)
(فأَعْجِبْ بهَا من آيةٍ لمفكِّرٍ ... يُقصِّر عَن إِدْرَاكهَا كلُّ من أخطا)
(وأعجبُ من أحوالها تِلْكَ عَوْدُها ... إِلَى حَالهَا بَدءاً إِذا ملكتْ هبطا)
(وتفجيرُها من صخرةٍ عَشْرَ أعيُنٍ ... واثنتين تَسْقِي كلُّ واحدةٍ سِبْطا)
(وتفليقُها رَهواً من البحرِ فَاسْتَوَى ... طَرِيقا فمِن ناجٍ وَمن هالكٍ غمطا)
(فَتلك عصانا لَا عَصا خيزرانةٍ ... ولكنَّ لِين الدُّهنِ صيَّرها نِفطا)
(وخضراءَ للشطآنِ تَحت ظلالها ... مَقيلٌ تَقِيّ عَن بردِهِ الرومَ والقِبطا)
(تسيل بِمَاء الخُلد أبيضَ صافياً ... إِذا مَا شرطناها على سَاقهَا شرطا)
(وَمن قبل مَا أغوى أَبَانَا بذوقها ... فذاق فأخطا وَالْقَضَاء فَمَا أخطا)
(قطفتُ جناها واعتصرتُ مياهَها ... فأجمدتُ مَا استعلى وذوَّبتُ مَا انحطَّا)
(وليّنة الأَعطاف قاسية الحشا ... إِذا نفثت فِي الصخر تصدعَهُ هبطا)
(كأَنَّ عَلَيْهَا من زخارفِ جلدهَا ... رِدَاء من الوشيِ المُفوَّفِ أَو مِرطا)
(تَوَصَّلَ إبليسٌ بهَا فِي هُبُوطه ... إِلَى الأَرضِ من عَدْنٍ ففارقها شحطا)
(وَكَانَت وشَيْطائيلُ حَربًا لآدمٍ ... وحوَّاءَ مَا داما على الكرة الْوُسْطَى)
(أمتُّ بهَا حيًّا وسوَّدتُ أبيضاً ... وأسرعتُ فِي قلع السوَاد فَمَا أَبْطَا)
(وأحييتُ تلكَ الأرضَ من بعد مَوتهَا ... بريٍّ وَكَانَت تَشْتَكِي الجدب والقحطا)
)
(ولاقطة حَبَّ الْقُلُوب بحسنها ... تُعذِّبها شوقاً وتقتلها نَحطا)
(كأَنَّ العيونَ الثابتاتِ بخصرها ... عُقِدْنَ نطاقاً أَو على جيدها سِمطا)