وَلها ديوَان شعر معروفٌ بَين الأُدباء عاشت خمسين سنة وَتوفيت سنة عشر وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ سَبَب وفاتها أنَّ الْمَأْمُون سلَّم عَلَيْهَا فضمَّها إِلَيْهِ وَجعل يقبِّل رَأسهَا ووجهُها مغطَّى فشرِقتْ من ذَلِك ثمَّ حُمَّت وَمَاتَتْ لأيام يسيرَة وَكَانَت تتغزَّل فِي خادمين اسْم الْوَاحِد رشأ وَالْآخر طَلّ فَمن قَوْلهَا فِي طَلّ الْخَادِم)
(أَيا سرحَةَ البستانِ طَال تَشَمُّسي ... فَهَل لي إِلَى ظِلٍّ إِلَيْك سبيلُ)
(مَتى يشتفي من ليسَ يُرجى خُرُوجه ... وليسَ لمن يهوى إِلَيْهِ دخولُ)
فَبلغ الرشيد ذَلِك فَحلف أنَّها لَا تذكره ثمَّ تسمَّع عَلَيْهَا يَوْمًا فَوَجَدَهَا وَهِي تدرس آخر سُورَة الْبَقَرَة حتَّى بلغت قَوْله تَعَالَى فَإِن لم يُصِبْها وابلٌ فَطَلٌّ فَلم تلفِظ بِهِ وَقَالَت فَإِن لم يصبهَا وابلٌ فَمَا نَهَانَا عَنهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ فَدخل الرشيد وقبَّل رَأسهَا وَقَالَ لَهَا لقد وهبت لَك طلاًّ وَلَا منعتكِ بعد هَذَا عمَّا تريدين مِنْهُ ذكر ذَلِك الصولي
وَكَانَت عُلَيَّة من أعفّ النَّاس كَانَت إِذا طهرت لَزِمت الْمِحْرَاب وَإِذا لم تكن طَاهِرَة غنَّتْ
ولمَّا خرج الرشيد إِلَى الرَّيّ أَخذهَا مَعَه فلمَّا وصل إِلَى المرج بهَا نظمت قَوْلهَا
(ومغتربٍ بالمرج يبكي لشجوه ... وَقد غَابَ عَنهُ المسعِدون على الحبِّ)
(إِذا مَا أَتَاهُ الرَّكبُ من نَحْو أرضه ... تنشَّقَ يستشفي برائحة الرَّكبِ)
وصاغت فِي الْحَال لَهما لحناً وغنَّت بِهِ فلمَّا سمع الصوتَ علم أنَّها قد اشتاقت إِلَى الْعرَاق وأهلُها بِهِ فَأمر بردِّها وَكَانَ قد عَوَّدها الدُّخُول إِلَيْهَا إِذا دخل إِلَى حُرَمه فأغفل ذَلِك يَوْمًا فَقَالَت
(أَهلِي سلوا ربَّكمُ العافيهْ ... فقد دهتني بعدكم داهيهْ)
(مَا لي أرى الأبصارَ بِي خافيهْ ... لم تلتفتْ منِّي إِلَى ناحيهْ)
(مَا ينظر النَّاس إِلَى المُبتلى ... وإنَّما الناسُ مَعَ العافيهْ)
وَمن شعرهَا
(إنِّي كثرتُ عَلَيْهِ فِي زيارته ... فملَّ والشيءُ مملولٌ إِذا كثرا)
(ورابني مِنْهُ أنِّي لَا أَزَال أرى ... فِي طرفه قِصَراً عنِّي إِذا نظرا)