بالأسماء والكنى حَتَّى يحيرني من حفظه انْتهى قلت يُقَال إِنَّه لما قصد الصاحب ابْن عباد فَطلب الْإِذْن من حَاجِبه فَدخل وقالك بِالْبَابِ شَاعِر فَقَالَ لَهُ الصاحب قل لَهُ لَا تدخل إِلَّا إِن كنت تحفظ للْعَرَب عشْرين ألف بَيت شعر فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِك قَالَ قل لَهُ للنِّسَاء أَو للرِّجَال فَلَمَّا قَالَ ذَلِك للصاحب قَالَ لَهُ هَذَا أَبُو بكر الْخَوَارِزْمِيّ فَتَلقاهُ الصاحب وأكرمه وَأقَام فِي نعْمَته مُدَّة ثمَّ إِنَّه كتب يَوْمًا)
هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وجعلهما فِي مَكَان يجلس فِيهِ الصاحب وهما
(لَا تحمدن ابْن عباد وَإِن هطلت ... كَفاهُ بالجود حَتَّى أخجل الديما)
(فَإِنَّهَا خطرات من وساوسه ... يُعْطي وَيمْنَع لَا بخلا وَلَا كرما)
ثمَّ إِن الْخَوَارِزْمِيّ فَارق ابْن عباد فَلَمَّا وقف عَلَيْهِمَا قَالَ بعد أَن بلغ الصاحب مَوته
(أَقُول لركب من خُرَاسَان أَقبلُوا ... أمات خوارزميكم قيل لي نعم)
(فَقلت اكتبوا بالجص من فَوق قَبره ... أَلا لعن الرَّحْمَن من يكفر النعم)
قَالَ ابْن خلطان ووقفت فِي مُعْجم الشُّعَرَاء لِابْنِ الْمَرْزُبَان وَوجدت فِي تَرْجَمَة أبي الْقسم الْأَعْمَى واسْمه مُعَاوِيَة بن سفين يهجو الْحسن بن سهل وَكَانَ يُؤَدب أَوْلَاده
(لَا تحمدن حسنا فِي الْجُود إِن مطرَت ... كَفاهُ غزراً وَلَا تذممه إِن زرما)
(فَلَيْسَ يمْنَع إبْقَاء على نشب ... وَلَا يجود لفضل الْحَمد مغتنما)
(لَكِنَّهَا خطرات من وساوسه ... يُعْطي وَيمْنَع لَا بخلا وَلَا كرما)
وَالله أعلم بذلك انْتهى قلت هَذَانِ البيتان أَشد تعلقاً بِالْبَيْتِ الثَّالِث فِي التوطية لَهُ فمعوية بن سفين الْمَذْكُور أَحَق بالشعر من الْخَوَارِزْمِيّ وَقد اشْتهر بِالْبَيْتِ الثَّالِث بَين الأدباء واستعملوه مقلوباً فَقَالَ القايل من أَبْيَات سينية
(يُعْطي وَيمْنَع لَا بخلا لَا كرماً ... لَكِنَّهَا خطرات من وساوسه)
وَهَذَا النَّوْع من أحسن الشّعْر وأدله عل جودة قريحه النَّاظِم وَقد سمى مثل هَذَا أَرْبَاب البلاغة التصريع الموجه أَي فِي أول القصيدة كَقَوْل ابْن حجاج
(من شُرُوط الصبوح والمهرجان ... خفَّة الشّرْب مَعَ خلو الْمَكَان)
فَإِنَّهُ يُمكن قلب الصَّدْر عَجزا وقلب الْعَجز صَدرا وَقد ذكرت من هَذَا النَّوْع جملَة فِي كتابي الَّذِي سميته نصْرَة الثاير على الْفلك الداير وَالظَّاهِر أَن الهوارزمي الْمَذْكُور كَانَ فِيهِ ملل واستحالة لِأَن أَبَا سعيد أَحْمد بن شهيب الْخَوَارِزْمِيّ قَالَ فِيهِ
(أَبُو بكر لَهُ أدب وَفضل ... وَلَكِن لَا يَدُوم على الْوَفَاء)
(مودته إِذا دَامَت لخل ... فَمن وَقت الصَّباح إِلَى الْمسَاء)