وَبلغ الْخَبَر عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ يَوْمئِذٍ وَالِي الْمَدِينَة فَأمر بإخراجهِ من الْمَدِينَة فَلَمَّا أُخرج أركب نَاقَة ليَنفُوَه فَقَالَ قَاتل اللهُ ابْن المراغة كَأَنَّهُ شَاهد هَذَا الْحَال حَتَّى قَالَ وكُنتَ إِذا نزلتَ بدارِ قومٍ البيتَ وَمن شعر الفرزدق لما كَانَ بِالْمَدِينَةِ
(هما دلّيلاني من ثمانينَ قامةً ... كَمَا انقضَّ بازٍ أقتمُ الرأسِ كاسِرُه)
(فَلَمَّا استوَت رجلايَ فِي الأَرْض قَالَتَا ... أحّيٌّ فيُرجى أم قتيلٌ نُحاذِرُه)
(فَقلت ارفعا الأسبابَ لَا يشعروا بهَا ... وأقبلتُ فِي أَسبَاب ليلٍ احادره)
(أُحاذر بوّابَينِ قد وُكِّلَا بِنَا ... وأسوَدَ من ساجٍ تَصِرُّ مَسامره)
فَقَالَ جرير لما بلغه ذَلِك
(لقد ولدت أُمُّ الفرزدق شَاعِرًا ... فَجَاءَت بِوَزوَارٍ قصيرِ القوادِمِ)
)
(يوصِّلُ حَبلَيه إِذا جَنَّ ليلُه ... ليرقَى إِلَى جارته بالسلالم)
(تدليتَ تَزني من ثمانينَ قامةً ... وقَصَرَت عَن بَاعَ العُلا والمكارم)
(هُوَ الرجسُ يَا أهلَ الْمَدِينَة فاحذَروا ... مداخلَ رجسٍ بالخبيثات عَالم)
(لقد كَانَ إخراجُ الفرزدق عنكمُ ... طهُورا لِما بَين الْمصلى وواقم)
فَأجَاب الفرزدق عَنْهَا بقصيدة طَوِيلَة مِنْهَا
(وإنّ حَراماً أَن أسُبَّ مُقاعساً ... بآبائيَ الشمِّ الكِرام الخضارمِ)
(ولكنَّ نَصفاً لَو سَبَبتُ وسبَّني ... بَنو عبد شمسٍ من منافٍ وهاشمِ)
(أُولَئِكَ أمثالي فجئني بمثلهم ... وأَعتَدُّ أَن أهجو كليباً بدارم)
ولمّا سمع أهل الْمَدِينَة أَبْيَات الفرزدق الْمَذْكُورَة أَولا جَاءُوا إِلَى مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ وَالِي الْمَدِينَة من قبل مُعَاوِيَة فَقَالُوا مَا يصلح هَذَا الشّعْر بَين أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أوجب على نَفسه الحدَّ فَقَالَ مَرْوَان لست أحدُّه لَكِن أكتب إِلَى من يحده وَأمر أَن يُخرَجَ من الْمَدِينَة وأجَّله ثلاثةَ أَيَّام لذَلِك فَلذَلِك يَقُول الفرزدق
(توعّدني وأَجَّلني ثَلَاثًا ... كَمَا وُعِدَت لمهلِكها ثمودُ)
ثمَّ كتب مَرْوَان إِلَى عَامله كتابا يَأْمُرهُ أَن يحدّه ويسجُنه وأوهمه أَنه كتب لَهُ بجائزة ثمَّ نَدم مَرْوَان على مَا فعل فوجّه عَنهُ سفيراً وَقَالَ إِنِّي قد قلتُ شعرًا فأسمعه
(قُل للفرزدق والسَّفاهة كاسِمها ... إِن كنت تاركَ مَا أمرتُك فاجلِسِ)
(ودَعِ المدينةَ إِنَّهَا محبوبةٌ ... واقصِد لمكّةَ أَو لبيت المقدِسِ)
(وَإِن اجتنيتَ من الْأُمُور عَظِيمَة ... فَخُذَن لِنفسِك بالعظيم الأكيس)
فَلَمَّا وقف الفرزدق عَلَيْهَا فطِنَ لما أَرَادَ مَرْوَان فَرمى الصَّحِيفَة وَقَالَ