أصبته وَقَالَ أول مَا رأيتُ أَبَا تمامٍ أَنِّي دخلتُ إِلَى أبي سعيد مُحَمَّد بن يُوسُف فامتدحته بقصيدتي الَّتِي أَولهَا
(أأفاق صَبٌّ فِي الْهوى فأُفيقا ... أم خَان عهدا أم أطَاع شفيقا)
فأنشدتُها لَهُ فلمّا أتممتُها سُرّ بهَا وَقَالَ لي أحسن الله إِلَيْك يَا فتَى فَقَالَ لَهُ رجل فِي الْمجْلس هَذَا أعزّك الله شعري عَلَّقه هَذَا فَسَبَقَنِي إِلَيْهِ فَتغير أَبُو سعيد وَقَالَ يَا فَتى قد كَانَ فِي نسبك وقرابتك مَا يَكْفِيك أَن تَمُتَّ بِهِ إِلَيْنَا وَلَا تحمل نَفسك على هَذَا فَقلت هَذَا شعري أعزّك الله فَقَالَ الرجل سُبْحَانَ الله يَا فَتى لَا تقل هَذَا ثمَّ ابْتَدَأَ فَأَنْشد من القصيدة أبياتاً فَقَالَ أَبُو سعيد نَحن نبلغك مَا تُرِيدُ وَلَا تحمل نَفسك على هَذَا فَخرجت متحيّراً لَا أَدْرِي مَا أَقُول ونويتُ أَن أسأَل عَن الرجل مَن هُوَ فَمَا أبعدت حَتَّى ردني أَبُو سعيد وَقَالَ لي جنيتُ عَلَيْك فَاحْتمل)
أَتَدْرِي من هَذَا قلت لَا قَالَ هَذَا ابْن عمك حبيب بن أَوْس الطَّائِي أَبُو تَمام قُم إِلَيْهِ فَقُمْت إِلَيْهِ فعانقتُه ثمَّ أقبل يقرِّظني ويصف شعري وَقَالَ إِنَّمَا مَزَحتُ معكَ فَلَزِمته بعد ذَلِك وَعَجِبت من سرعَة حفظه وَقَالَ الصولي إِن ابا تَمام راسل أم البحتري فِي التَّزَوُّج بهَا فأجابته وَقَالَت اجْمَعْ النَّاس للإملاك فَقَالَ الله أجلّ أَن يُذكرَ بَيْننَا وَلَكِن نتصافح ونتسافح وَقيل للبحتري أيّما أشعرُ أَنْت أم أَبُو تَمام فَقَالَ جَيِّده خيرٌ من جَيِّدي ورديئي خيرٌ من رديئه قلت لَعَمري إنّ البحتري لصادقٌ وَقد أنصف وَقيل لأبي الْعَلَاء المعرّي أَي الثَّلَاثَة أشعر أَبُو تَمام أم المتنبّي أم البحتري فَقَالَ أَبُو تَمام والمتنبّي حكيمان والشاعر البحتري وَفِيه يَقُول ابْن الرُّومِي
(والفتى البحتري يسرق مَا قا ... لَ ابنُ أوسٍ فِي الْمَدْح والتشبيب)
(كل بيتٍ لَهُ يجوّد مَعنا ... هـ فَمَعْنَاه لِابْنِ أوسٍ حبيبِ)
وَقَالَ البحتري أنشدتُ أَبَا تمامٍ من شعري فَأَنْشد بَيت أَوْس بن حجر
(إِذا مقرم منا ذرا حدُّ نابِه ... تخمّطَ فِينَا نابُ آخر مُقرَمٍ)
وَقَالَ نَعيتَ إليّ نَفسِي فَقلت أُعيذك بِاللَّه فَقَالَ إنّ عُمري لَيْسَ يطول وَقد نَشأ لطيء مثلك أما علمتَ أَن خَالِد بن صَفْوَان الْمنْقري رأى شبيب بن شبّة وَهُوَ من رَهطه يتَكَلَّم فَقَالَ يَا بُنَيَّ نعى إليّ نَفسِي إحسانُك فِي كلامك لأَنا أهلَ بيتٍ مَا نَشأ فِينَا خطيبٌ إِلَّا مَاتَ من قَبله قَالَ فَمَاتَ أَبُو تَمام بعد سنة من هَذَا وَقَالَ أنشدتُ أَبَا تَمام شعرًا لي فِي بعض بني حُمَيدٍ وَصَلت بِهِ إِلَى مَا خَطَر فَقَالَ لي أحسنتَ أَنْت أَمِير الشُّعَرَاء بعدِي فَكَانَ قَوْله هَذَا أحبَّ إليَّ من جَمِيع مَا حويتُه وَكَانَ للبحتري غلامٌ اسْمه نسيم فَبَاعَهُ فَاشْتَرَاهُ أَبُو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute