للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

جَوَاز الْبَحْر سَبِيلا لعِلَّة لَا يجوز لَك التقحم مَعهَا وَهَا أَنا أَقُول لَك مَا فِيهِ الرَّاحَة لَك وَاعْتذر لَك وعنك على أَن تفي بالعهود والمواثيق والاستكثار من الرَّهْن وَترسل إِلَى جملَة من عبيدك بالمراكب والشواني والطرائد والمسطحات وأجوز بجملة إِلَيْك وأقاتلك فِي أعز الْأَمَاكِن إِلَيْك فَإِن كَانَت لَك فغنيمة كَبِيرَة جلبت إِلَيْك وهدية عَظِيمَة مثلت بَين يَديك وَإِن كَانَت لي كَانَت يَدي الْعليا عَلَيْك واستحقيت إِمَارَة الملتين وَالْحكم على البرين وَالله يوفق للسعادة ويسهل الإراده لَا رب غَيره وَلَا خير إِلَّا خَيره إِن شَاءَ الله تَعَالَى

فَلَمَّا وصل كِتَابه إِلَى الْأَمِير يَعْقُوب مزقه وَكتب على ظهر قِطْعَة مِنْهُ {ارْجع إِلَيْهِم فلنأتينهم بِجُنُود لَا قبل لَهُم بهَا ولنخرجنهم مِنْهَا أَذِلَّة وهم صاغرون} النَّمْل ٢٧ / ٣٧ الْجَواب مَا ترى لَا مَا تسمع

(وَلَا كتب إِلَّا المشرفية عِنْده ... وَلَا رسل إِلَّا الْخَمِيس العرمرم)

ثمَّ استدعى الجيوش من الْأَمْصَار وَضرب السرادقات بِظَاهِر الْبَلَد من يَوْمه وَجمع العساكر وَسَار إِلَى الْبَحْر الْمَعْرُوف بزقاق سبتة فَعبر فِيهِ إِلَى الأندلس وَدخل بِلَاد الفرنج وَقد اعتدوا واحتشدوا وتأهبوا فكسرهم كسرة شنيعة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَلم ينج مِنْهُم ملكهم إِلَّا فِي نفر قَلِيل وَكَانَ مَا ذكرته فِي أول هَذِه التَّرْجَمَة وأخلى الفرنج قلعة رَبَاح لما داخلهم من الرعب فملكها الْأَمِير يَعْقُوب وَجعل فِيهَا واليا وجيشا ولكثرة مَا حصل لَهُ من الْغَنَائِم لم يُمكنهُ الدُّخُول إِلَى بِلَاد الفرنج فَعَاد إِلَى طليطلة وحاصرها وَقطع أشجارها وَأخذ من أَعمالهَا حصونا كَثِيرَة وَقتل رجالها وسبى حريمها وهجم مبانيها وَترك الفرنج فِي أَسْوَأ حَال ثمَّ رَجَعَ إِلَى إشبيلية وَأقَام إِلَى أثْنَاء سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَعَاد إِلَى بِلَاد الفرنج مرّة ثَالِثَة وَفعل كَفِعْلِهِ الْمُتَقَدّم فَلم يبْق للفرنج قدرَة على لِقَائِه وسألوا مِنْهُ الصُّلْح فأجابهم وصالحهم لمُدَّة خمس سِنِين وَعَاد إِلَى مراكش وَلما وصل إِلَيْهَا أَمر باتخاذ الأحواض والروايا وآلات السّفر إِلَى بِلَاد إفريقية فَاجْتمع إِلَيْهِ مَشَايِخ الْمُوَحِّدين وَقَالُوا قد طَالَتْ غيبتنا بالأندلس فمنا من لَهُ خمس سِنِين وَمنا من لَهُ ثَلَاث سِنِين فأنعم علينا بالمهلة هَذَا الْعَام وَتَكون الْحَرَكَة أول سنة خمس وَتِسْعين فأجابهم وانتقل إِلَى مَدِينَة سلا وَشَاهد مَا فِيهَا من المتنزهات الْمعدة لَهُ وَكَانَ قد بنى بِالْمَدِينَةِ الْمَذْكُورَة قَرِيبا مِنْهَا مَدِينَة سَمَّاهَا رِبَاط الْفَتْح على هَيْئَة الْإسْكَنْدَريَّة وبناها على الْبَحْر الْمُحِيط وَهِي على نهر سلا مُقَابِله من الْبر القبلي وتنزه فِيهَا وَعَاد إِلَى مراكش

<<  <  ج: ص:  >  >>