للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَامَ مقَامه وَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن توفّي صَلَاح الدّين فاختلت أَحْوَاله وَلم يجد فِي وَجهه بَابا فَلَزِمَ بَيته وَأَقْبل على التصنيف إِلَى أَن توفّي مستهل شهر رَمَضَان سنة سبع وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَدفن بمقابر الصُّوفِيَّة بِدِمَشْق وَكَانَ بَينه وَبَين القَاضِي الْفَاضِل سنة فِي الْوَفَاة ولعمري لقد كَانَ ذَا قدرَة على النّظم والنثر أَكثر مِنْهُ وَأرى أَن شعره ألطف من نثره لإنه أَكثر من الجناس فِيهِ وَبَالغ حَتَّى يعود كَلَامه كَأَنَّهُ ضرب من الرقي والعزائم وَإِنَّمَا لطف نظمه بِالنِّسْبَةِ إِلَى نثره لإن الْوَزْن كَانَ يضايقه فَلَا يَدعه يتَمَكَّن من الجناس وَقد عَابَ النَّاس مِمَّن لَهُ ذوق وفطرة سليمَة كَثْرَة التَّجْنِيس لإنه دَلِيل التَّكَلُّف وَقَالُوا كلما قل كَانَ أحسن ورؤى كالطراز فِي الثَّوْب وَالْخَال الْوَاحِد فِي الوجنة الْكَامِل

(والخد بهجته بخال وَاحِد ... وتقل فِيهِ بِكَثْرَة الخيلان)

وَأَيْنَ مرماه من مرمى القَاضِي الْفَاضِل وَيَا بعد مَا بَين المنزعين وَيَا فرق مَا بَين الطَّرِيقَيْنِ الْكَامِل

(إِنِّي رَأَيْت الْبَدْر ثمَّ رَأَيْتهَا ... مَاذَا عَليّ إِذا عشقت الأحسنا)

وَانْظُر إِلَى الْقُرْآن الْكَرِيم وَالْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة والْآثَار المروية عَن الصَّحَابَة وَالسَّلَف هَل تَجِد)

الجناس فِي ذَلِك كُله إِلَّا أقل من غيبَة الرَّقِيب وَوصل الحبيب وَلم اقل هَذَا غضاً من قدره وَلَا فضاً لختم سره إِذْ هُوَ الْبَحْر العجاج وَفَارِس الْكِتَابَة الَّذِي يفرج بأنابيب أقلامه مضايق العجاج وَلَكِن لما زَاد فِي اسْتِعْمَال الجناس ضَاقَتْ بتردده الأنفاس وَأصْبح الْكَلَام من الْقُلُوب وحشياً وَمن الأسماع حوشيا أَلا ترى قَوْله فَلَمَّا أَرَادَ الله السَّاعَة الَّتِي جلاها لوَقْتهَا وَالْآيَة الَّتِي لَا أُخْت لَهَا فَتَقول هِيَ أكبر من أُخْتهَا أفضت اللَّيْلَة الماطلة إِلَى فجرها ووصلت الدُّنْيَا الْحَامِل إِلَى تَمام شهرها وَجَاءَت بواحدها الَّذِي تُضَاف إِلَيْهِ الْأَعْدَاد ومالكها الَّذِي لَهُ الأَرْض بِسَاط وَالسَّمَاء خيمة والحبك أطناب وَالْجِبَال أوتاد وَالشَّمْس دِينَار والقطر دَرَاهِم والأفلاك خدم والنجوم أَوْلَاد لما كَانَ هَذَا خَالِيا من الجناس عذب فِي السّمع وقعه واتسع فِي الْإِحْسَان صقعه ورشفه اللب مدامة وَكَانَ عِنْد من لَهُ ذوق أطرب من تغريد حمامة وَقَوله ورد الْكتاب الْكَرِيم الْأَشْرَف الَّذِي كرم وَشرف وأسعد وأسعف وأجنى الْعِزّ وأقطف وأوضح الْجد وَعرف وقوى الْعَزْم وَصرف والهج بِالْحَمْد وأشغف وَجمع شَمل الحبى وَألف فَوقف الْخَادِم عَلَيْهِ وأفاض فِي شكر فيض فَضله المستفيض وتبلج وَجه وجاهته وتأرج نبا نباهته مَا عرفه من عوارفه الْبيض وَأمنت بمكارمه المكاره وَزَاد فِي قدر التائه قدره النابه وافترت مباسم مراسمه عَن ثنايا مناجحه ورفد طلائع صنائعه فسر بمنن منائحه وَاسْتمرّ على هَذَا النهج إِلَى آخِره فَانْظُر إِلَى قلق هَذَا التَّرْتِيب وكل كَلَامه من هَذَا النمط وغالب مَا ينشئه إِذا تحامل السّمع لَهُ سقط وَلم يكفه هَذَا بل أَنه يكثر من رد الْعَجز على الصَّدْر كَقَوْلِه وسر أولياءه وأولي مسرته وأقدر يَده وأيد قدرته وآزر دولته وأدال موازرته وَبسط مكنته وَمكن بسطته وأسعد جده وَأَجد سعادته وَأَرَادَ نجحه وأنجح إِرَادَته وَأجل جيله وسر أسرته وحاط حماه وَحمى حوطته وَلَا زَالَ معروفه مواليا ومواليه مَعْرُوفا وَوَصفه حسنا وإحسانه مَوْصُوفا وألفه بارا وباره مألوفا وَعطفه كَرِيمًا

<<  <  ج: ص:  >  >>