(يَا حَاكم الْحُكَّام يَا من بِهِ ... قد شَرقَتْ رتبته الفاخره)
(وَمن سقى الشَّهْبَاء مذ حلهَا ... بحار علمٍ وندىً زاخره)
(نزلت فِي الفردوس فأبشر بِهِ ... دَارك فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَه)
ونظم فِيهِ جمال الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن نباتة لما توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى قصيدة طنانة يرثيه بهَا أنشدنيها من لَفظه أَولهَا
(بلغا القاصدين أَن اللَّيَالِي ... قبضت جملَة العلى بالكمال)
وَقفا فِي مدارس الْعقل وَالنَّقْل ونوحا معي على الأطلال
(سائلاها عَسى يُجيب صداها ... أَيْن ولى مُجيب أهل السُّؤَال)
)
(أَيْن ولى بَحر الْعُلُوم وَأبقى ... بَين أجفاننا الدُّمُوع لآلي)
(أَيْن ذَاك الذِّهْن الَّذِي قد ورثنا ... عَنهُ مَا فِي الحشا من الِاشْتِغَال)
(أَيْن تِلْكَ الأقلام يَوْم انتصارٍ ... كعوالي الرماح يَوْم النزال)
(ينْقل النَّاس عَن حَدِيث هداها ... طرق الْعلم عَن متون العوالي)
(وتفيد الجنا من اللَّفْظ حلواً ... حِين كَانَت نوعا من الْعَسَّال)
قلت هِيَ من قصائده الغر وَكلهَا نتقى وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع إِثْبَاتهَا
كنت قد اخْتلفت أَنا وَالْمولى شرف الدّين حُسَيْن ابْن رَيَّان الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي قَول الحريري
(فَلم يزل يبتزه دهره ... مَا فِيهِ من بطشٍ وعود صَلِيب)
فَذهب هُوَ فِي إِعْرَاب قَوْله مَا فِيهِ إِلَى أَنه فِي مَوضِع نصب على أَنه مفعول ثَان وَذَهَبت أَنا إِلَى أَنه بدل اشْتِمَال من الْهَاء الَّتِي فِي قولهيبتزه فَكتب شرف الدّين فتيا من صفد وجهزها إِلَى الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن الزملكاني رَحمَه الله تَعَالَى ونقلتها من خطه وَهِي مَا تَقول السَّادة عُلَمَاء الدَّهْر وفضلاء هَذَا الْعَصْر لَا برحوا لطَالب الْعلم الشريف قبله وموطن السُّؤَال وَمحله فِي رجلَيْنِ تجادلا فِي مسأله نحوية وَهِي فِي بَيت من المقامات الحريرية وَهُوَ
(فَلم يزل يبتزه دهره ... مَا فِيهِ من بَطش وعود صَلِيب)
ذَهَبا إِلَى معنى يبتزه يسلبه وكل مِنْهُمَا وَافق فِي هَذَا مَذْهَب خَصمه مذْهبه وموطن سؤالهما الْغَرِيب إِعْرَاب قَوْلهمَا فِيهِ من بَطش وعود صَلِيب لم يختلفا فِي نَصبه بل خلفهمَا فِيمَا انتصب بِهِ فَذهب أَحدهمَا إِلَى أَنه بدل اشْتِمَال من الْهَاء المنصوبة فِي يبتزه وَله على ذَلِك اسْتِدْلَال وَذهب الآخر إِلَى أَنه مفعول ثَان ليبتزه وَجعل الْمَفْعُول الْهَاء وَاخْتلفَا فِي ذَلِك وقاصديكم جَاءَا وَقد سَأَلَا الْإِجَابَة عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فقد اضطرا فِي ذَلِك إِلَى الْمَسْأَلَة فَكتب الشَّيْخ كَمَال الدّين رَحمَه الله الْجَواب ونقلته من خطه وَهُوَ الله يهدي إِلَى الْحق كل من الْمُخْتَلِفين الْمَذْكُورين قد نهج نهج صَوَاب وأتى بحكمة وَفصل خطاب وَلكُل من الْقَوْلَيْنِ مساغ فِي النّظر