مراثيهم على مَرَاتِبهمْ فَقَامَ فِي آخِرهم وَأنْشد قصيدة أَولهَا
(مَا للرياض تميل سكرا ... هَل سقيت بالمزن خمرًا)
إِلَى أَن وصل إِلَى قَوْله أفكربلاء بالعراق وكربلاء بِمصْر أُخْرَى فذرفت الْعُيُون وعج الْقصر بالكباء والعويل وانثالت عَلَيْهِ العطايا من كل جَانب من الْأُمَرَاء والحظايا وَحمل الْوَزير إِلَى منزله جملَة من المَال وَقَالَ لَوْلَا المأتم لجاءتك الْخلْع
وَكَانَ على جلالته أسود الْجلد جهم الْوَجْه ذَا شفة غَلِيظَة وأنف مَبْسُوط سمح الْخلق كخلقة الزنوج قَصِيرا قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الأدباء حَدثنِي الشريف مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الإدريسي عَن أَبِيه قَالَ كنت أَنا والرشيد والفقيه سُلَيْمَان الديلمي نَجْتَمِع بِالْقَاهِرَةِ فِي منزل فَغَاب عَنَّا الرشيد يَوْمًا وَكَانَ ذَلِك فِي عنفوان شبابه فجاءنا وَقد مضى مُعظم النَّهَار فَقُلْنَا لَهُ مَا أَبْطَأَ بك عَنَّا فَتَبَسَّمَ وَقَالَ لَا تسألوا عَمَّا جرى فَقُلْنَا لَا بُد وألححنا عَلَيْهِ فَقَالَ مَرَرْت الْيَوْم بالموضع الْفُلَانِيّ وَإِذا امْرَأَة شَابة صَبِيحَة الْوَجْه وضيئة المنظر حسانة الْخلق ظريفة الشَّمَائِل فَلَمَّا رأتني نظرت إليّ نظر مطمع لي فِي نَفسهَا فتوهمت أَنِّي وَقعت مِنْهَا بموقع ونسيت نَفسِي وأشارت إِلَيّ بطرفها فتبعتها وَهِي تدخل فِي سكَّة وَتخرج من أُخْرَى حَتَّى دخلت دَارا وأشارت إِلَيّ فَدخلت وَرفعت النقاب عَن وَجه كَالْقَمَرِ فِي لَيْلَة تَمَامه ثمَّ صفقت بِيَدَيْهَا منادية يَا سِتّ الدَّار فَنزلت إِلَيْهَا طفلة كَأَنَّهَا فلقَة قمر فَقَالَت لَهَا إِن رجعت تبولين فِي الْفراش تركت سيدنَا القَاضِي يَأْكُلك ثمَّ الْتفت إِلَيّ وَقَالَت لَا أعدمني الله فضل سيدن القَاضِي أدام الله عزه فَخرجت وَأَنا خزيان خجل لَا أهتدي الطَّرِيق
قلت وَمن هُنَا نقل الصاحب بهاء الدّين زُهَيْر تِلْكَ الحكايات الَّتِي كَانَ يعضها على نَفسه)
وَفِي القَاضِي الرشيد رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول مَحْمُود بن قادوس الشَّاعِر يهجو إِن قلت من نَار خلقت وفقت كل النَّاس فهما
(قُلْنَا صدقت فَمَا الَّذِي ... أطفاك حَتَّى صرت فحما)
وَقَالَ فِيهِ أَيْضا
(يَا شبه لُقْمَان بِلَا حكمةٍ ... وخاسراً فِي الْعلم لَا راسخا)
(سلخت أشعار الورى كلهَا ... فصرت تدعى الْأسود السالخا)
وَلما اتَّصل بملوك مصر وَتقدم أنفذوه رَسُولا إِلَى الْيمن ثمَّ قلد قضاءها ولقب بقاضي قُضَاة الْيمن وداعي دعاة الزَّمن ثمَّ سمت نَفسه إِلَى الْخلَافَة فسعى فِيهَا وأجابه قوم إِلَى ذَلِك وسلموا عَلَيْهِ بهَا وَضربت لَهُ السِّكَّة على الْوَجْه الْوَاحِد قل هُوَ الله أحد وعَلى الآخر الإِمَام الأمجد أَبُو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute