للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَعرض وسائله وَلكنه ذكر حِكَايَة بعض جُفَاة الْأَعْرَاب ومتعجرفيهم وَقد اشْتَدَّ بِهِ ضعفه فَقَالَ لَهُ بعض إخوانه تب إِلَى الله تَعَالَى فَقَالَ يَا أخي إِن عافاني تبت فَإِنِّي لَا أقبل القسر فَإِن نظر ذَلِك الْمقر إِلَى الْمَمْلُوك ونفعه كتب وَقَالَ وأطاب وَأطَال ونهض فِي خدمَة أَيَّامه بِمَا لَا ينْهض بِهِ سواهُ من أهل الْمقَال وَإِلَّا الطَّوِيل

(كِلَانَا غَنِي عَن أَخِيه حَيَاته ... وَنحن إِذا متْنا أَشد تَغَانِيًا)

فَكتبت إِلَيْهِ الْجَواب عَن ذَلِك وَينْهى وُرُود الْمِثَال العالي وَالْفضل الَّذِي نصب لي لِوَاء الْفَخر لَو أَنه كَمَا أعهده متوالي وَالْبر الَّذِي كم تمسكت بحباله فَأرْسل الحبا لي وَالرَّوْض الَّذِي هُوَ لِابْنِ الشجري نِهَايَة الْأَمَانِي فِي الأمالي والأزاهر الَّتِي أَصبَحت من جناة جناتها فَلَا بدع إِذا كنت لنار عتبها الْيَوْم صالي الطَّوِيل

(إِذا لم يخن صب فَفِيمَ عتاب ... وَإِن لم يكن ذَنْب فمم يُتَاب)

(أجل مَا لنا إِلَّا هواكم جِنَايَة ... فَهَل عنْدكُمْ غير الصدود عِقَاب)

فَوقف الْمَمْلُوك عَلَيْهِ بعد أَن تمثل وَاقِفًا لَدَيْهِ وَشَاهد ذَلِك اللَّفْظ الرَّقِيق الْمُشْتَمل على العتب الْفظ وَتحقّق أَن هَذَا من جزئيات مَا سَاق إِلَيْهِ الْقسم وحض عَلَيْهِ الْحَظ مخلع الْبَسِيط

(وغايتي أَن الوم حظي ... وحظي الْحَائِط الْقصير)

وَلَقَد علم الْمَمْلُوك عِنْد رُؤْيَته أَنه غمامة تقَعْقع بالعتب رعدها عِنْد الفض وَرَسُول جَاءَ بعد فَتْرَة يَدْعُو الْقلب إِلَى الْكسر والطرف إِلَى الغض وخصم يروع بالعتب ويروق باللطف وَكَذَا جرى لِأَن الروع تعجل نَقده فِي النض الْبَسِيط

(هَذَا عتابك إِلَّا أَنه مقة ... قد ضمن الدّرّ إِلَّا أَنه كلم)

فيا لَهُ من عتاب مَا حاك العتابى مِنْهُ لقطَة لَفْظَة وَلَا رقا إِلَى رقته عتاب جرى بَين الزَّمَان وجحظة وَلَا استحضر مهديه عِنْد تسطيره من الْقُرْآن الْكَرِيم وليجدوا فِيكُم غلظة التَّوْبَة الطَّوِيل

(وأطيبُ أَيَّام الهَوَى يَوْمك الَّذِي ... تُروَّعُ بالهجران فِيهِ وبالعتب)

(إِذا لم يكن فِي الحبِّ سخطٌ وَلَا رضى ... فَأَيْنَ حلاوات الرسائل والكتب)

ومولانا فَإِنَّهُ كبث لما كتب وعبث لما عتب وَنَفث بعد أَن لبث وَلَو اجتث الود لاجتنب وَلَكِن دلّ بِهَذَا على أَنه لَيْسَ لَهُ أغراض من الْإِعْرَاض وَأَنه لَا يَلِيق بوده الثَّابِت التبذل فِي التبدل وَلَا يعْتَاد أَن يعتاض وَالْقَائِل مَا أشرف همته مجزوء الرمل

(لست سَمحا بودادي ... كل من نَادَى أَجَبْته)

)

ولعمري أَن مَوْلَانَا سباق غايات وَرب آيَات وَصَاحب دهاء لَا بل دهاشات علم أَنه نكب عَن الْوَفَاء وَظهر عَن لطفه مَا لَا يَلِيق بِهِ من الْجفَاء وأهمل الْمَمْلُوك هَذِه الْمدَّة وطمع فِي ضعفه وَظن أَنه لَيْسَ لذكره كرة بعد الْفِرَار وَلَا ردة فَتلا سُورَة من العتب سكنت مَا عِنْد الْمَمْلُوك

<<  <  ج: ص:  >  >>