للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الأذفونش فِيهِ استدعى أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين وَقَالَ لِأَن ترعى أَوْلَادنَا جمال الملثمين أحب إِلَيْهِم من أَن يرعوا خنازير الفرنج وَكَانَ ابْن تاشفين على أتم أهبة فَعبر إِلَى الأندلس وَاجْتمعَ إِلَيْهِ مُلُوكهَا واستنفر الأذفونش جَمِيع الفرنج فَخَرجُوا فِي عد لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى وَلم تزل الجموع تتزايد وتتواتر إِلَى أَن امْتَلَأت جَزِيرَة الأندلس خيلا ورجلا من الْفَرِيقَيْنِ وَأمر ابْن تاشفين بعبور الْجمال فَعبر مِنْهَا مَا أغص الجزيرة وارتفع رغاؤها إِلَى عنان السَّمَاء وَلم يكن أهل الجزيرة قد رَأَوْا جملا قطّ وَلَا رَأَتْ خيلهم صورها وَلَا سَمِعت أصواتها فَكَانَت تذْعَر مِنْهَا وتقلق وَكَانَ ابْن تاشفين يحدق عسكره بالجمال وَكَانَت خير الفرنج تحجم عَنْهَا ثمَّ ابْن تاشفين قدم بَين يَدي حربه كتابا على مُقْتَضى السّنة يعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام وَالدُّخُول فِيهِ أَو الْحَرْب أَو الْجِزْيَة فَأبى إِلَّا الْقِتَال فَاخْتَارَ ابْن عباد أَن يكون هُوَ المصادم أَولا فَفَعَلُوا ذَلِك وتلاقوا واستحر الْقَتْل فيهم فَلم يفلت من الفرنج غير الأذفونش من دون الثَّلَاثِينَ من أَصْحَابه فغنم الْمُسلمُونَ أثاثهم وخيلهم بِمَا مَلَأت أَيْديهم وَكَانَت الْوَقْعَة فِي الزلاقة خَامِس عشر شهر رَجَب سنة تسع وَسبعين وَأَرْبع مائَة وَقيل فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من شهر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَحكي أَن موقع المعركة على اتساعه مَا كَانَ فِيهِ مَوضِع قدم إِلَّا على جَسَد أَو دم وأقامت العساكر بالموضع أَرْبَعَة أَيَّام حَتَّى جمعت الْغَنَائِم فَلَمَّا لِأَن حصلت عف عَنْهَا ابْن تاشفين وآثر بهَا مُلُوك الأندلس وَقَالَ إِنَّمَا أَتَيْنَا للغزو لَا للنهب فَلَمَّا رأى ذَلِك مُلُوك الأندلس استكرموه وأحبوه وشكروا لَهُ فَلَمَّا فرغ ابْن تاشفين من الْحَرْب عزم على العودة إِلَى بِلَاده وَكَانَ عِنْد دُخُوله إِلَى الجزيرة تحرى الْمسير بالعراء من غير أَن يمر بِمَدِينَة أَو رستاق فَسَأَلَهُ ابْن عباد أَن يجوز إِلَى بَلَده وَينزل عِنْده فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك فَلَمَّا انْتهى إِلَى إشبيلية مَدِينَة الْمُعْتَمد وَكَانَت من أجمل المدن وَنظر إِلَى وَضعهَا على نهر عَظِيم مستبحر تجْرِي فِيهِ السفن بالبضائع من بر الْمغرب وحاملة إِلَيْهِ فِي غربيه وَهُوَ رستاق عَظِيم يشْتَمل على الآلاف من الضّيَاع كلهَا تين وعنب وزيتون وَفِي جَانب الْمَدِينَة قُصُور الْمُعْتَمد وَأَبِيهِ المعتضد على غَايَة الْحسن والبهاء فَأنْزل ابْن تاشفين أحد الْقُصُور وَبَالغ فِي خدمته وإكرامه فَأخذ أَصْحَاب ابْن تاشفين فِي إغرائه على اتِّخَاذ مثل تِلْكَ الْمنَازل وَيَقُولُونَ لَهُ إِن فَائِدَة الْملك قطع الْعُمر بالعيش الْمُنعم والتلذذ كَمَا هُوَ الْمُعْتَمد وَأَصْحَابه وَكَانَ ابْن تاشفين مقتصدا فِي أُمُوره غير متطاول وَلَا مبذر وَكَانَ قد أذهب صدر عمره فِي بِلَاد فِي شظف الْعَيْش فَأنْكر على مغريه بذلك الْإِسْرَاف وَقَالَ الَّذِي يلوح من أَمر هَذَا الرجل أَنه مضيع لما فِي يَده من المَال وَالْملك لِأَن هَذِه الْأَمْوَال الَّتِي تعينه فِي هَذِه الْأَحْوَال لَا بُد أَن يكون لَهَا أَرْبَاب وَلَا يُمكن أَخذ هَذَا الْقدر مِنْهُم على وَجهه الْعدْل أبدا فَأَخذه بالظلم وَأخرجه بالترهات وَهَذَا من أفحش الاستهتار وَمن كَانَت

<<  <  ج: ص:  >  >>