للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

همته فِي هَذَا الْحَد من التَّصَرُّف فِي مَا لَا يعدو الأجوفين مَتى يشحذ همته فِي حفظ بِلَاده وضبطها ثمَّ إِن ابْن تاشفين سَأَلَ عَن حَال الْمُعْتَمد فِي لذاته هَل تخْتَلف فتنقص عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ فِي بعض الْأَوْقَات فَقيل لَهُ بل كل زَمَانه على هَذَا قَالَ وكل أَصْحَابه وأنصاره منجدوه على عدوه قَالُوا لَا قَالَ كَيفَ ترَوْنَ رضاهم عَنهُ قَالُوا لَا رضَا لَهُم عَنهُ فَأَطْرَقَ وَسكت وَأقَام عِنْد الْمُعْتَمد أَيَّامًا على تِلْكَ الْحَال

وَاسْتَأْذَنَ رجل على الْمُعْتَمد فَأدْخل وَهُوَ ذُو هَيْئَة رثَّة فَأذن لَهُ فَقَالَ لَهُ أصلحك الله إِن من أوجب الْوَاجِبَات شكر النِّعْمَة وَمن شكر النِّعْمَة إهداء النصائح وَإِنِّي رجل من رعيتك وَمن ذَلِك خبر وَقع فِي أُذُنِي من بعض أَصْحَاب ضيفك يدل على أَنهم يرَوْنَ أنفسهم وملكهم أَحَق بِهَذِهِ النِّعْمَة مِنْك وَقد رَأَيْت رَأيا إِن آثرت الإصغاء إِلَيْهِ قلته قَالَ قل قَالَ رَأَيْت أَن هَذَا الرجل الَّذِي أطلعته على ملكك رجل مستأسد على الْمُلُوك قد حطم ببر العدوة زناتة وَأخذ الْملك مِنْهُم وَلم يبْق على أحد مِنْهُم وَلَا يُؤمن أَن يطمح على الطماعية فِي ملكك بل فِي ملك الجزيرة كلهَا لما قد عاينه من بلهنية عيشك وَأَنه يتخيل أَن كل مُلُوك الأندلس فِي مثل حالك وَأَن لَهُ من الْوَلَد والأقارب من يود أَن يكون فِي عيشه مثل عيشكم وَقد أودى الأذفونش وجيشه واستأصل شأفتهم وأعدمك من هُوَ أقوى نَاصِر عَلَيْهِ لَو احتجت إِلَيْهِ وَبعد إِن فَاتَ الْأَمر لم يفتك الحزم فِيمَا هُوَ مُمكن الْيَوْم قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ أَن تجمع أَمرك على قبض ضيفك هَذَا واعتقاله فِي قصرك وتجزم أَنَّك لَا تطلقه حَتَّى يَأْمر كل من بِجَزِيرَة الأندلس من عسكره أَن يرجع من حَيْثُ جَاءَ حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُم بالجزيرة طِفْل ثمَّ تنْفق أَنْت وملوك الأندلس على حراسة هَذَا الْبَحْر من سفينة تجْرِي فِيهِ لغزاة لَهُ ثمَّ بعد ذَلِك تستحلفه بأغلظ الْأَيْمَان أَلا يضمر فِي نَفسه عود إِلَى هَذِه الجزيرة إِلَّا بِاتِّفَاق مِنْكُم وَتَأْخُذ مِنْهُ على ذَلِك رهائن فَإِنَّهُ يعطيك من ذَلِك مَا تشَاء فنفسه أعز عَلَيْهِ من جَمِيع مَا تطلبه مِنْهُ ويقنع ببلاده الَّتِي لَا تصلح إِلَّا لَهُ وَتَكون قد استرحت مِنْهُ ويرتفع ذكرك عِنْد مُلُوك الأندلس فَلَمَّا سمع الْمُعْتَمد ذَلِك استصوبه وَجعل يفكر فِي انتهاز الفرصة وَكَانَ للمعتمد ندماء قد انهمكوا مَعَه فِي اللَّذَّات فَقَالَ أحدهم للرجل الناصح مَا كَانَ الْمُعْتَمد بن عباد مِمَّن يُعَامل بالحيف ويغدر بالضيف وَهُوَ إِمَام المكرمات فَقَالَ الرجل إِنَّمَا الْغدر أَخذ الْحق من صَاحبه لَا دفع الرجل الْأَذَى عَن نَفسه إِذا ضَاقَ بِهِ واستدرك الْأَمر وتلافاه فَقَالَ ذَلِك النديم لضيم مَعَ وَفَاء خير من حزم مَعَ جفَاء ثمَّ إِن ذَلِك الرجل استدرك الْأَمر وتلافاه فَشكر لَهُ الْمُعْتَمد وَوَصله واتصل الْخَبَر بِابْن تاشفين فَأصْبح غاديا فَقدم لَهُ الْمُعْتَمد الْهَدَايَا السّنيَّة فقبلها ورحل فَعبر من الجزيرة الخضراء إِلَى سبتة وَلما عبر يُوسُف وَأقَام عسكره بالجزيرة ريثما استراح وتتبع آثَار الأذفونش وتوغل فِي بِلَاده وَمَات الأذفونش

<<  <  ج: ص:  >  >>