(الْفِقْه فقه أبي حنيفَة وَحدَه ... وَالدّين دينُ مُحَمَّد بن كرام)
انْتهى قلت وَهَذَا فِي البديهة مخرع لَا يتَّفق ذَلِك لأحد غَيره من حسن هَذَا النّظم وإبرازه فِي هَذَا القالب هَكَذَا شاعت هَذِه الْوَاقِعَة عَن الشَّيْخ صدر الدّين فِي الديار المصرية وَكُنَّا نعتقد صِحَّتهَا دهراً حَتَّى ظفرنا بِالْبَيْتِ الْمَذْكُور وَهُوَ من جملَة بَيْتَيْنِ من شعر الْمُتَقَدِّمين وَالْأول مِنْهُمَا
(إِن الَّذين لجهلهم لَا يقتدوا ... فِي الدّين بِابْن كَرام غير كِرام)
وَكَانَ الظفر بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة
وَجمع موشحاته وسمى الْكتاب طراز الدَّار وَهَذَا فِي غَايَة الْحسن لِأَنَّهُ أَخذ اسْم كتاب ابْن سناء الْملك وَهُوَ دَار الطّراز فقلبه وَقَالَ طراز الدَّار لِأَن طراز الدَّار أحسن مَا فِيهَا وَكَانَ الْأَدَب قد امتزج بِلَحْمِهِ وَدَمه
حكى لي قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَبُو الْحسن عَليّ السُّبْكِيّ الشَّافِعِي قَالَ دخلت عَلَيْهِ فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ فَقلت كَيفَ تجدكأو كَيفَ حالكفأنشدني
(وَرجعت لَا أَدْرِي الطَّرِيق من البكا ... رجعت عداك المبغضون كمرجعي)
فَكَانَ ذَلِك آخر عهدي بِهِ أَخْبرنِي القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله قَالَ وَكَانَ عَارِفًا بالطب والأدوية علما لَا علاجاً فاتفق أَن شكا إِلَيْهِ الأفرم سوء هضم فَركب لَهُ سفوفاً وأحضره فَلَمَّا اسْتعْمل مِنْهُ أفرط بِهِ الإسهال جدا فأمسكه مماليك الأفرم ليقتلوه وأحضر امين الدّين سُلَيْمَان الْحَكِيم لمعالجة الأفرم فعالجه باستفراغ بَقِيَّة الْموَاد الَّتِي اندفعت وَأَعْطَاهُ أمراق الفراريج ثمَّ أعطَاهُ الممسكات حَتَّى صلح حَاله فَلَمَّا صلحت حَاله سَأَلَ الأفرم عَن الشَّيْخ صدر الدّين فَأخْبرهُ المماليك مَا فَعَلُوهُ بِهِ فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهِم ثمَّ أحضرهُ وَقَالَ لَهُ يَا صدر الدّين جِئْت تروحني غَلطا وَهُوَ يضْحك فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان الْحَكِيم يَا صدر الدّين اشْتغل بفقهك ودع الطِّبّ فغلط الْمُفْتِي)
يسْتَدرك وَغلط الطَّبِيب مَا يسْتَدرك فَقَالَ لَهُ الأفرم صدق لَك لَا تخاطر ثمَّ قَالَ لمماليكه مثل صدر الدّين مَا يتهم وَالله الَّذِي جرى عَلَيْهِ مِنْكُم أصعب مِمَّا جرى عَليّ وَمَا أَرَادَ وَالله إِلَّا الْخَيْر فَقبل يَده وَبعث إِلَيْهِ الأفرم لما انْصَرف جملَة من الدَّرَاهِم والقماش
وَأَخْبرنِي أَيْضا أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية كَانَ يَقُول عَنهُ ابْن الْوَكِيل مَا كَانَ يرضى لنَفسِهِ بِأَن يكون فِي شَيْء إِلَّا غَايَة ثمَّ يعدد أنواعاً من الْخَيْر وَالشَّر فَيَقُول فِي كَذَا كَانَ غَايَة وَفِي كَذَا كَانَ غَايَة قَالَ وَلما أنكر الْبكْرِيّ اسْتِعَارَة الْبسط والقناديل من الْجَامِع الْعمريّ بِمصْر لبَعض كنائس القبط فِي يَوْم من أَيَّام مهماتهم ونسبت هَذِه الفعلة إِلَى كريم الدّين وَفعل مَا فعل ثمَّ طلع إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان وَكَلمه فِي هَذَا وَأَغْلظ فِي القَوْل لَهُ وَكَاد يجوز ذَلِك على السُّلْطَان لَو لم يحلَّ بعض الْقُضَاة الْحَاضِرين على الْبكْرِيّ وَقَالَ مَا قصر الشَّيْخ كالمستزري بِهِ والمستهزئ بنكيره فحينئذٍ أغْلظ السُّلْطَان فِي القَوْل للبكري فخارت قواه وَضعف ووهن فازداد تأليبُ بعض الْحَاضِرين عَلَيْهِ فَأمر السُّلْطَان بِقطع لِسَانه فَأتى الْخَبَر إِلَى الشَّيْخ صدر الدّين وَهُوَ فِي زَاوِيَة السعودي فطلع إِلَى القلعة على حمَار فاره اكتراه قصدا للسرعة فَرَأى الْبكْرِيّ وَقد أُخذ ليُمضى فِيهِ مَا أُمر بِهِ فَلم يملك دُمُوعه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute