للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الْوَزير الْجواد مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي مَنْصُور الصاحب جمال الدّين أَبُو جَعْفَر الْأَصْبَهَانِيّ الملقب بالجواد وَزِير صَاحب الْموصل أتابك زنكي بن آقسنقر

كَانَ نبيلاً رَئِيسا دمث الْأَخْلَاق حسن المحاضرة مَحْبُوب الصُّورَة سَمحا كَرِيمًا مدحه القيسراني بالقصيدة الَّتِي أَولهَا

(سقى الله بالزوراء من جَانب الغرب ... مهاً وَردت عين الْحَيَاة من الْقلب)

كَانَ جده أَبُو مَنْصُور فهاداً للسُّلْطَان ملكشاه بن الب رسْلَان السلجوقي فتأدب وَلَده وسمت همته وخدم فِي مناصب علية وصاهر الأكابر فَلَمَّا ولد لَهُ جمال الدّين الْمَذْكُور عني بتأديبه وتهذيبه ثمَّ رتب فِي ديوَان الْعرض للسُّلْطَان مَحْمُود بن ملكشاه فظهرت كِفَايَته فَلَمَّا تولى اتابك زنكي الْموصل وَمَا والاها استخدم جمال الدّين الْمَذْكُور وقربه واستصحبه مَعَه إِلَيْهَا وولاه نَصِيبين فظهرت كِفَايَته وأضاف إِلَيْهِ الرحبة فأبان عَن كِفَايَة وعفة فَجعله مشرف مَمْلَكَته وَحكمه تحكيماً لَا مزِيد عَلَيْهِ

وَكَانَ الْوَزير يومئذٍ ضِيَاء الدّين الكفرتوثي فَلَمَّا توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة تولى الوزارة بعده أَبُو الرِّضَا ابْن صَدَقَة وجمال الدّين الْمَذْكُور فخف على قلب زنكي وَلم يظْهر جمال الدّين فِي حَيَاة زنكي مَالا وَلَا نعْمَة إِلَى أَن توفّي على قلعة جعبر فرتبه سيف الدّين غَازِي ابْن اتابك فِي وزارته فَظهر جوده حِينَئِذٍ بالعطايا وَبَالغ فِي الْإِنْفَاق حَتَّى عرف بالجواد

وَأثر آثاراً جميلَة وأجرى المَاء إِلَى عَرَفَات أَيَّام الْمَوْسِم من مَكَان بعيد وَعمل الدرج من أَسْفَل الْجَبَل إِلَى أَعْلَاهُ وَبنى سور مَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا كَانَ خرب من الْمَسْجِد وَكَانَ يحمل فِي كل سنة إِلَى مَكَّة وَإِلَى الْمَدِينَة من الْأَمْوَال وَكِسْوَة الْفُقَرَاء والمنقطعين مَا يقوم بهم مُدَّة سنة كَامِلَة وَكَانَ لَهُ ديوَان مُرَتّب باسم أَرْبَاب الرسوم والقصاد وتنوع فِي فعل الْخَيْر وواسى النَّاس زمن الغلاء وَكَانَ إقطاعه عشر مغل الْبِلَاد على جاري عَادَة وزراء السلجوقية وأباع يَوْمًا بقياره وَصَرفه للمحاويج وَله مَكَارِم جمة كَثِيرَة

وَأقَام على هَذَا الْحَال إِلَى أَن توفّي مخدومه غَازِي وَقَامَ بعده قطب الدّين مودود فَاسْتَكْثر إقطاعه وَثقل عَلَيْهِ أمره فَقبض عَلَيْهِ وحبسه وَلم يزل مسجوناً حَتَّى توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة تسع وَخمسين وَخمْس مائَة وَصلي عَلَيْهِ وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً من بكاء الضُّعَفَاء والأرامل)

والأيتام وضجيجهم حول جنَازَته

وَدفن بالموصل إِلَى بعض سنة سِتِّينَ ثمَّ نقل إِلَى مَكَّة وطيف بِهِ حول الْكَعْبَة وطافوا بِهِ مرَارًا مُدَّة مقامهم وَكَانَ يَوْم دُخُوله يَوْمًا مشهوداً وَكَانَ مَعَه شخص يذكر مآثره ويعدد محاسنه إِذا وصلوا بِهِ إِلَى المزارات فَلَمَّا انْتهى إِلَى الْكَعْبَة وقف وَأنْشد

(يَا كعبة الْإِسْلَام هَذَا الَّذِي ... جَاءَك يسْعَى كعبة الْجُود)

(قصدت فِي الْعَام وَهَذَا الَّذِي ... لم يخل يَوْمًا غير مَقْصُود)

ثمَّ حمل إِلَى الْمَدِينَة صلوَات الله على ساكنها وَسَلَامه وَدفن بِالبَقِيعِ بعد أَن أَدخل الْمَدِينَة وطيف بِهِ حول حجرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأنْشد الشَّخْص الْمَذْكُور

<<  <  ج: ص:  >  >>