للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال إسحاق بن منصور: قُلْتُ لأحمد: حديثُ أبي بكرٍ رحمة اللَّه تعالى ورضوانه عليه فيما نحل عائشة رحمها اللَّه تعالى جداد عشرين وسقًا من ماله بالغابة (١).

قال: إنَّما قال لها: وددت أنك حُزتِيه (٢) فيجوز لك؛ لأنه لم يملكها النخيل بأصولها، وإنما جعلَ لها قدر جداد عشرين وسقًا، فهذا ما لم يُجَدَّ النخلُ لا يكون حيازة، وهؤلاء آحتجوا بقولِ أبي بكر رحمة اللَّه عليه ورضوانه. هذا أنَّ الهبةَ لا تكونُ إلَّا مقبوضة، وأخطئوا في تأويلِ الحديث؛ لأنَّهم يقولون: أصلُ هذِه الهبة فاسدة، فكيف يجوزُ قبضُ الهبةِ الفاسدةِ، وهذا الذي وهبَ أبو بكرٍ -رضي اللَّه عنه- لها غائبٌ عنها، ولكنه رأى ذلك جائزًا، ونرى للموهوب قبض ذلك جائزًا إذا قبض وهو على الحق، فلذلك نجيزُ الهبةَ الغائبة؛ لما فعل أبو بكر -رضي اللَّه عنه- ذلك، ورأى هؤلاء أنَّ الهبةَ إذا كانت مشاعةً لا تجوز لما لم يمكن عندهم قبض ذلك، واحتجوا بما جاء: لا هبةَ إلَّا مقبوضة (٣). فرأوا أنَّ غير المقسوم لا يمكن القبض فيه أبدا، وأخطئوا من أوجه، فذلك أنَّهم رأوا في نصفِ سيف ونصف حمام، وما أشبه ذلك أنَّه يجوزُ للواهبِ هبة نصيبه، ويقبضه الموهوب فكيف سموا ههنا لغير المقسوم والمقسوم قبضًا وهو مشاع؟ إنَّما القبضُ مِنَ الموهوبِ بإذنِ الواهبِ بغير المقسوم والمقسوم


(١) رواه مالك ص ٤٦٨، وعبد الرزاق ٩/ ١٠١ (١٦٥٠٧)، والبيهقي ٦/ ١٧٠.
(٢) رواه عبد الرزاق ٩/ ١٠١ - ١٠٢ (١٦٥٠٧، ١٦٥٠٨)، والبيهقي ٦/ ١٧٨.
(٣) روى عبد الرزاق ٩/ ١٠٧ (١٦٥٢٩) عن إبراهيم قال: الهبة لا تجوز حتى تقبض. . وقال ابن حجر في "الدراية"٢/ ١٨٣: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تجوز الهبة إلا مقبوضة) لم أجده.

<<  <  ج: ص:  >  >>