للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن عجائب صاعد التي يستدل بها على مجازفاته أنه قال في هذا الكتاب: حدثنا أبو علي التنوخي حدثني أبي، حَدَّثَنا علي بن خلاد الرامهرمزي حدثني أبو علي الحصيني بالبصرة قال: كان في جيراني طفيلي وكان يرتصد خروجي كل يوم فإذا دعيت الى مدعاة صنيع ركب بركوبي فأكرم من أجلي وأجلس الى جانبي.

فضاق صدري من ذلك واستحييت أن أقابله بشيء منه حتى عمل علي بن سليمان الهاشمي أمير البصرة صنيعا دعاني فيه فقلت: والله لئن وافى الطفيلي على عادته لأخزينه فلم يلبث أن ركب بركوبي ونزل معي.

فلما تمكن الناس ورفع عليهم الطعام قلت رافعا صوتي في الملأ: حدثنا فلان عن فلان عن نافع، عَنِ ابن عمر أن رسول الله قال: من حضر طعاما لم يدع اليه مشى فاسقا وأكل حراما.

فلم أستتم كلامي حتى قال الطفيلي: يا أبا علي لقد تحجرت واسعا وأبديت على هذا الطعام جشعا وأنغصت عليه أكيلا كأنك طاوي سنة أو أن هذا الطعام كله لا يشبعك ولقد نسبت الأمير الى البخل على طعامه وهو يود أن يحضر طعامه الإنس والجن ثم إنه ليس في المجلس أحد الا ويظن أنك رميته بهذا الحديث حتى كأنك القائل:

لا أشتم الضيف الا أن أقول له

أباتك الله في أبيات عمار

جلد الندى زاهد في كل مكرمة

كأنما جلده في ملة النار

ثم إنك تأتي الى أشرف مدعاة وأعظم محفل ثم تروي عن فلان - وقد حد على الزنا - عن نافع - وكان ضعيف العقل - عن ابن عمر - وهو لم يحسن أن يطلق امرأته - وتركت حديث شُعبة، عَن قتادة، عَن أَنس طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفى الأربعة!؟.

واسترسل صاعد في هذه الحكاية قدر ورقتين وساق فيها عدة مقاطيع شعر. وقال في آخرها: إن الأمير علي بن علي سليمان الهاشمي قال للطفيلي: يا سيدي مثلك لا يكون طفيليا بل الطفيلي من تأكل أنت طعامه .. الى غير ذلك من الهذر.

والحكاية المذكورة معروفة لنصر بن علي الجهضمي قد ذكرها الخطيب، وَغيره بالسند الصحيح اليه والحديث عنده عن درست بن زياد عن أبان بن طارق.

ثم ما استحيى صاعد أن ينسب الكلام المروي، عَن عَلِيّ بن الجعد في حق ابن عمر الى هذا الطفيلي ومن تدبر الحكاية علم أنها ملفقة وأحسن أمره عندي أنه كان يكتب من حفظه ويتساهل.

وقد ذكر الحميدي في ترجمته أنه كان أصله من الموصل وأنه دخل الأندلس في أيام المنصور بن أبي عامر في حدود الثمانين وثلاث مِئَة وكان عالما باللغة والأدب طيب المعاشرة فكه المجالسة فأكرمه المنصور.

وروى عنه من القدماء أبو محمد بن حزم وأبو مروان بن حيان، وَغيرهما.

وقال الحميدي: كان المنصور كثيرا ما يستغرب الألفاظ ويسأل صاعدا عنها فيجيب في الحال وفي بعض يظهر صدقه فمن ذلك أن عاملا للمنصور

<<  <  ج: ص:  >  >>