أصب المتاعَ فإنه لا ضمانَ لَهُ عليه؛ لأنَّ الرجلَ الذي يستودعُ، أو يدفعُ إِليه الشيءَ ليبلغ به موضعًا لا يكونُ عليه حفظه أكثر مما يكونُ عَليهِ مِنْ حفظِ مَتَاعِهِ، فإذَا فَعَلَ ذَلِكَ كما يفعلُ بمتاعِهِ مِنَ الحفظِ والتعاهدِ، ومن يأمر بحفظِ متاعه؛ فَلا ضمانَ عَلَيه إلَّا أنْ يكونَ متهمًا، ويخلط على نفسه، فإنَّ عمرَ -رضي اللَّه عنه- ضمن أنس بن مالك بضاعة، وذلِكَ أنَّهُ سَأله عَنْهَا وكيف صنع فيها؟ فَقَال: وضعتُهَا مَعَ مَتَاعِي، فذَهبت من بين متاعي، فَقَال عمرُ -رضي اللَّه عنه-: أَذَهَبَ لكَ معَهَا في شيءٌ؟ قال: لا. قال: ضمنتَ يا أنس وإنَّكَ عِنْدنا لأمينٌ (١). يقولُ: صَارَ ضامنًا لحالِ ما اتهمه وإِنْ كانَ الخصمُ أمينًا، أن يكون الفعل فيه كفعل المتهمين أجرى عليه حكمَ الخصومِ، فَمِنْ ههنا قال: ضمنت. لما فعل فعلًا أَنكرهُ، وقال لَهُ: إنكَ لأمينٌ عندنا.
"مسائل الكوسج"(٢٣١٢)
قال عبد اللَّه: سألت أبي عن دقيق لقوم اختلط قفيز حنطة بقفيز شعير دقيق، جميعًا طحنا فاختلطا.
قال: هذا لا يقدر أن يميز؟
فقال أبي: إن كان يعرف قيمة دقيق الشعير من دقيق الحنطة مع هذا، أو أعطى كل واحد منهما قيمة ماله إلا أن يصطلحوا بينهم على شيء ويتحالوا.
قلت لأبي: فإن قال هذا أريد: حنطتي، وقال [الآخر]: أريد شعيري؟
قال: يباع إن عرف قيمتهما.
(١) رواه ابن أبي شيبة ٤/ ٤٠٢ (٢١٤٤٧)، والبيهقي ٦/ ٢٩٠.