ثم قال لي أبو زُرْعَة: لا أرى ظهر بمصر منذ دهر أوضع للحديث وأجسر على الكذب من هذا.
وكان مما كتبت في الجزء ما أنكرت من رواياته عن عمه، عن إبراهيم بن سعد، عن الزُّهْرِي، عن النبي ﷺ:" من أكل من هذه الشجرة ".
فقال لي أبو زُرْعَة: أي شيء أنكرت من هذا؟.
قلتُ: أنكرته أنه إنما هو عن سعيد بن المُسَيَّب وحده، ليس أبو سلمة، فقال لي: أصبت، ما هذا من حديث أبي سلمة.
وأزيدك مما لست أراك أنك تهتدي اليه. قلتُ: لا أعلم الا أني أنكرت فيه زيادته فيه، عن أبي سلمة لأن الحديث رواه جماعة عن إبراهيم بن سعد.
فقال لي: رواه جماعة، وابن وهب لا أعلمه حدث عن إبراهيم بن سعد شَيْئًا أصلاً.
ثم قال لي أبو زُرْعَة: كان أبو حاتم يلقي الي عنه أحاديث كنت أستحسنها، مثل حديث أبي الزعراء، وغيره، فإذا هذا آفة من الآفات. قلتُ: فتكتب بخطك الى أصحابنا بمصر، فكتب بخطه كلاما غليظًا يأمر بهجرانه ومباينته ونسبه الى الكذب المصرح، وكتب نحو ذلك أبو عَبد الله مُحَمَّد بن مسلم، وأبو حاتم فأنفدت خطوطهم الى علان، وإبراهيم بن الأصم.
ثم قال لي أبو حاتم: شعرت أن ابن أخي ابن وهب كتب الي وأنت بمصر يشكوك ويقول: إنك تعتب عليه، وكتب الي في كتابه حَدَّثنا عمي، قال: حَدَّثنا عُمَر بن مُحَمَّد، عن نافع، عن ابن عُمَر عن النبي ﷺ:" لو بغى جبل على جبل الا ذل الله الباغي منهما "، فلما خرج ابني عبد الرحمن، كتبت له الى يونس، وابن عَبد الحكم، ولم أكتب اليه، وقلت لعبد الرحمن: قل له كتبت الي في أمر البرذعي بما كفيتني مؤنة نفسك عندما ذكرت عن عمك، عن عُمَر بن مُحَمَّد حديثًا لا أصل له بهذا الإسناد، فورد كتاب ابن اخي ابن وهب على أبي حاتم، أما بعد: إن ابني كتب اليك بهذا الحديث، وغلط في إسناده، وليس هو من حديثي، وأنا أستغفر الله، وما حدثت بهذا الإسناد، أو نحو ذلك كلام هذا معناه، أخبرني به أبو حاتم، وقال لي: الا ترى ما كتب به ابن أخي ابن وهب. وكان معي فضل الصائغ عندما قال لي أبو حاتم هذه المقالة، فقال الفضل، فيما أحسب إنه حدثني بهذا الحديث عن عمه، عن عُمَر بن مُحَمَّد، عن نافع، عن ابن عُمَر عن النبي ﷺ منذ كذا وكذا، وكان الفضل هناك مع أحمد بن صالح، ثم انصرف الفضل الى منزله، فعاد الي، ومعه كتابه، كتاب عتيق كتبه بمصر عنه، فلم نلق هذا الحديث في أصل كتابه.
وقد كان أبو حاتم كتب اليه معي: بلغني أنك رويت عن عمك، عن عيسى بن يونس، حديث عوف بن مالك:" تفترق أمتي "، وليس هذا من حديث عمك، ولا روى هذا عن عيسى أحد غير نعيم بن حماد. وكتب الي أَيضًا كهل كان بمصر من أصحابنا، يقال له أبو الحُسَيْن الأصبهاني، وكان من أصحاب الشافعي، فصرت أنا وأبو الحُسَيْن الأصبهاني الى ابن أخي ابن وهب بكتاب أبي حاتم، فقرأه، وقال: جزى الله أبا حاتم خيراً، لقد نصح، فوعظته أنا وقلت له: هذا بحر بن نصر، قد رفعه الله بمقدار عشرة الاف حديث عنده عن عمك، فاتق الله، فقال لي: ما حدثت بهذا الحديث قط، وأنا أعقله، وليس هذا الحديث من حديثي، ولا حديث عمي، وإنما وضعه لي أصحاب الحديث، ولست أعود الى روايته حتى القى الله، وأنا تائب الى الله، أو نحو ما قال.