وقال هلال بن الصابئ في تاريخه: بقي خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم، وَلا البيض، وَلا اللبن ويقتصر على ما تنبت الأرض ويلبس خشن الثياب ويديم الصوم.
قال: ولقيه رجل فقال مالك لا تأكل اللحم؟ قال: أرحم الحيوان قال: فما تقول في السباع التي لا غذاء لها الا الحيوان؟ فإن كان ذلك من جهة الخالق فما أنت بأرأف منه وإن كان من جهة الطبيعة فما أنت بأحذق منها، وَلا أتقن عملا.
قلت: ومعنى هذا الكلام دار بين المعري وبين أبي نصر بن أبي عمران الإمامي وكان الداعي الى مذهب الفاطميين فراسل المعري يسأله عن سبب تركه اللحم فأجابه بما ذكر من الرأفة فرد عليه بنحو ذلك.
وقد طالعت ما دار بينهما واستفدت منه فيما يتعلق بترجمة المعري أنه ذكر عن نفسه قال: قضي علي وأنا ابن أربع لا أفرق بين البازل والربع قال: ومنيت في آخر عمري بالإقعاد وحكم الله علي بالإزهاد فصرت من العدا في جهاد. وقال في جوابه عن تركه أكل اللحم: قالوا: إن كان ربنا لا يريد الا الخير فالشر لا يخلو من أمرين: إما أن يكون علمه أولا وعلى الأول فإن كان يريده فيجب أن ينسب الفعل اليه وإن كان بغير إرادته جاز عليه ما لا يجوز على أصغر الأمراء لأنه لا يرضى أن يفعل في ولايته مالا يريد وهذه عقدة قد اجتهد المتكلمون في حلها فأعوزهم.
وقال في هذه الرسالة: إنه لما بلغ ثلاثين عاما سأل ربه أن يرزقه صوم الدهر ففعل وظن أن اقتناعه بالنبات يثبت له جميل العاقبة ثم قال: والذي حثني على ذلك أن لي في السنة نيفا وعشرين دنيارا فإذا أخذ خادمي نصفه بقي لي ما لا يفي الى أن قال: ولست أريد في رزقي زيادة، وَلا أوثر لسقمي عيادة.
ومات في ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربع مِئَة ومن شعره المؤذن بانحلاله في كتابه لزوم مالا يلزم: