قال أبو إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام: سألت يحيى بن عمار، عَن أبي حاتم ابن حبان فقال: رأيته ونحن أخرجناه من سجستان كان له علم كثير ولم يكن له كبير دين قدم علينا فأنكر الحد لله فأخرجناه.
قلت: إنكاره للحد وإثباتكم الحد نوع من فضول الكلام والسكوت من الطرفين أولى إذ لم يأت نص بنفي ذلك، وَلا إثباته والله تعالى ليس كمثله شيء فمن أثبته قال له خصمه: جعلت لله حدا برأيك، وَلا نص معك بالحد، والمحدود مخلوق تعالى الله عن ذلك.
وقال هو له للنافي: ساويت ربك بالشيء المعدوم إذ المعدوم لا حد له فمن نزه الله وسكت سلم وتابع السلف. قال أبو إسماعيل الأنصاري: سمعت عبد الصمد بن محمد بن محمد يقول: سمعت أبي يقول: أنكروا على ابن حبان قوله: النبوة: العلم والعمل، وحكموا عليه بالزندقة، وهجر، وكتب فيه الى الخليفة فأمر بقتله، وسمعت غيره يقول: لذلك أخرج الى سمرقند.
قلت: لقوله محمل سائغ إن كان عناه أي: عماد النبوة العلم والعمل لأن الله لم يؤت النبوة والوحي الا من اتصف بهذين النعتين وذلك لأن النبي يصير بالوحي عالما ويلزم من وجود العلم الإلهي العمل الصالح فصدق بهذا الاعتبار قوله النبوة: العلم اللدني، والعمل: المقرب الى الله.
فالنبوة إذا تفسر بوجود هذين الوصفين الكاملين، وَلا سبيل الى تحصيل هذين الوصفين بكمالهما الا بالوحي الإلهي إذ الوحي الإلهي علم يقيني ما فيه ظن وعلم غير الأنبياء منه يقيني وأكثره ظني.
ثم النبوة ملازمة للعصمة، وَلا عصمة لغيرهم، ولو بلغ في العلم ما بلغ والخبر عن الشيء يصدق ببعض أركانه وأهم مقاصده غير أنَّا لا نسوغ لأحد إطلاق هذا الا بقرينة كقوله ﵇: الحج عرفة.
وإن كان عنى الحصر أي ليس هي الا العلم والعمل فهذه زندقة وفلسفة.
مات سنة أربع وخمسين وثلاث مِئَة. انتهى.
قال أبو سعد الإدريسي في تاريخ سمرقند: أبو حاتم محمد ابن حبان بن أحمد ابن حبان بن معاذ بن معبد بن مرة بن هَدِيَّة بن سعد التميمي الدارمي. وساق نسبه الى دارم ثم الى تميم بن مُر، ثم الى عدنان. كان على قضاء سمرقند مدة طويلة وكان من فقهاء الدين وحفاظ الآثار والمشهورين في الأمصار والأقطار عالما بالطب والنجوم وفنون العلم الف المسند الصحيح والتاريخ والضعفاء والكتب الكثيرة في كل فن وفقه الناس بسمرقند وبنى له الأمير أبو المظفر الساماني صفة لأهل العلم خصوصا لأهل الحديث ثم تحول الى بست ومات بها.
وقال الحاكم: كان من أوعية العلم في اللغة والفقه والحديث والوعظ من عقلاء الرجال. ثم ذكر رحلته وتصانيفه فقال: خرج له من التصنيف في الحديث ما لم يسبق اليه وولي القضاء بسمرقند ونسا، وَغيرهما من مدن خراسان ودخل نيسابور مرتين وبنى الخانقاه وقرئت عليه جملة تصانيفه وكانت الرحلة الى مصنفاته بخراسان.
وقد قال ابن حبان في أثناء صحيحه: لعلنا قد كتبنا عن أكثر من الفي شيخ من إسبيجاب الى الإسكندرية.
وقال الحاكم في ترجمته أيضًا: سمعت أبا علي، يعني النيسابوري شيخه - يقول وذكر كتاب