للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أخذ الكلمة بعد الكلمة من أهله ثم لم يحكمها وبالله التوفيق. وقرأت في كتاب قضاة مصر لأبي محمد الحسن بن إبراهيم بن زولاق قال: واستكتب محمد بن عبدة القاضي بمصر أبا جعفر الطحاوي الفقيه واستخلفه وأغناه فكان أبو جعفر يجلس بين يديه ويقول للخصوم وهم بين يديه: من مذهب القاضي أيده الله كذا وكذا حاملا عنه وملقنا له فأحس القاضي تيها من أبي جعفر واستظهارا عليه فقال له: ما هذا الذي رأيت منك؟ والله لئن أرسلت بقصبة فنصبت في حارتك لتراءى الناس حولها يقولون: هذه قصبة القاضي.

قال ابن زولاق: وحدثني عبد الله بن عمر الفقيه سمعت أبا جعفر الطحاوي يقول: كان لمحمد بن عبدة القاضي مجلس للفقه عشية الخميس يحضره الفقهاء وأصحاب الحديث فإذا فرغ وصلى المغرب انصرف الناس ولم يبق أحد الا من تكون له حاجة فيجلس فلما كان ليلة رأينا الى جنب القاضي شيخا عليه عمامة طويلة وله لحية حسنة لا نعرفه فلما فرغ المجلس وصلى القاضي التفت فقال: يتأخر أبو سعيد يعني الفاريابي وأبو جعفر وانصرف الناس ثم قام يركع. فلما فرغ استند ونصبت بين يديه الشموع ثم قال: خذوا في شيء فقال ذلك الشيخ: أيش روى أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أمه، عَن أبيه؟ فلم يقل أبو سعيد الفاريابي شيئا فقلت أنا: حدثنا بكار بن قتيبة، حَدَّثَنا أبو أحمد، حَدَّثَنا سفيان، عَن عَبد الأعلى الثعلبي، عَن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أمه، عَن أبيه أن رسول الله قال: إن الله ليغار للمؤمن فليغر.

قال: فقال لي ذلك الشيخ: أتدري ما تتكلم به؟ فقلت له: أيش الخبر؟ فقال لي: رأيتك العشية مع الفقهاء في ميدانهم ورأيتك الساعة في أصحاب الحديث في ميدانهم وقل من يجمع ما بين الحالتين فقلت: هذا من فضل الله وإنعامه فأعجب القاضي في وصفه لي ثم أخذنا في المذاكرة.

قال ابن زولاق: وأراد أبو جعفر الطحاوي مقاسمة عمه في الريع الذي بينهما فحكم له القاضي بالقسمة وأرسل اليه بمال يستعين به في ذلك ووافق ذلك إملاكا في مجلس أحمد بن طولون فحضره أبو جعفر الطحاوي وقرأ الكتاب وعقد النكاح فخرج خادم بصينية فيها مِئَة دينار وطيب فقال: كم القاضي فقال القاضي: كم أبي جعفر فألقاها في كمه ثم خرج الى الشهود وكانوا عشرة بعشرة صواني والقاضي يقول: كم أبي جعفر ثم خرجت صينية أبي جعفر فانصرف أبو جعفر ذلك اليوم بألف ومئتي دينار سوى الطيب.

قال ابن زولاق: وحدثني عبد الله بن عثمان قال: سمعت أبا جعفر الطحاوي يقول: كانت لأبي الجيش بن أحمد بن طولون أمير مصر شهادة فحضر الشهود وكان كلما كتب شاهد شهادته قرأها الأمير والقاضي وكان كل شاهد يكتب: أشهدني الأمير أبو الجيش ابن أحمد بن طولون مولى أمير المؤمنين قال أبو جعفر فلما شهدت أنا كتبت: أشهد على إقرار الأمير أبي الجيش ابن أحمد بن طولون مولى أمير المؤمنين أطال الله بقاءه وأدام عزه وعلوه يقر بجميع ما في هذا الكتاب فلما قرأه الأمير قال للقاضي: من هذا؟ قال: هذا كاتبي فقال: أبو من؟ قال: أبو جعفر فقال: وأنت يا أبا جعفر فأطال الله بقاءك وأدام عزك قال: فقمت بسبب ذلك محسودا من الجماعة.

قال ابن زولاق: فلم يزل محمد بن عبدة على القضاء بمصر الى أن قتل أبو الجيش فانحرف أهل

<<  <  ج: ص:  >  >>