وقال ابن النجار: رأيت الناس مجمعين على كذبه وضعفه وادعائه سماع ما لم يسمعه ولقاء من لم يلقه وكانت أمارات ذلك عليه لائحة.
وحدثني بعض المصريين قال: قال لي الحافظ أبو الحسن بن المفضل وكان من أئمة الدين قال: كنا بحضرة السلطان في مجلس عام وهناك ابن دحية فسألني السلطان عن حديث فذكرته له فقال لي: من رواه؟ فلم يحضرني إسناد في الحال فانفصلنا.
فاجتمع بي ابن دحية في الطريق فقال لي: ما ضرك لما سألك السلطان عن إسناد ذاك الحديث لمَ لمْ تذكر له أي إسناد شئت؟ فإنه ومن حضر مجلسه لا يعلمون هل هو صحيح أم لا؟ وكنت قد ربحت قولك: لا أعلم، وتعظم في عينيه وعين الحاضرين قال: فعلمت أنه متهاون جريء على الكذب.
قال ابن النجار: وذكر أنه سمع كتاب الصلة لابن بشكوال من مصنفه وكان القلب يأبى سماع كلامه ويشهد ببطلان قوله وكان الكامل يعظمه ويحترمه ويعتقد فيه ويتبرك به حتى سمعت أنه كان يسوي له المداس إذا قام.
قال: وكان صديقنا إبراهيم السنهوري دخل الى الأندلس فذكر لمشايخها حال ابن دحية وما يدعيه فأنكروا ذلك وأبطلوا لقاءه لهم وأنه إنما اشتغل بالطلب أخيرا وأن نسبه ليس بصحيح. وكتب السنهوري بذلك محضرا وأخذ خطوطهم فيه فعلم ابن دحية بذلك فشكاه للسلطان فأمر بالقبض عليه وضرب وجرس على حمار وأخرج من القاهرة وأخذ ابن دحية المحضر فحرقه.
قال: وحضرت معه مجلس السلطان مرارا وكان يحضر في كل جمعة فيصلي عند السلطان ويقرأ عليه شيئا من مجموعاته وكان حافظا ماهرا في علم الحديث حسن الكلام فيه فصيح العبارة تام المعرفة بالنحو واللغة وله كتب نفيسة.
وكان ظاهري المذهب كثير الوقيعة في الأئمة وفي السلف من العلماء خبيث اللسان أحمق شديد الكبر قليل النظر في أمور الدين متهاونا.
حدثني علي بن الحسن أبو العلاء الأصبهاني وناهيك به جلالة ونبلا قال: لما قدم ابن دحية علينا أصبهان نزل على أبي في الخانكاه فكان يكرمه ويبجله فدخل على والدي يوما ومعه سجادة فقبلها ووضعها بين يديه وقال: صليت على هذه السجادة كذا كذا الف ركعة وختمت عليها القرآن في جوف الكعبة مرات قال: فأخذها والدي وقبلها ووضعها على رأسه وقبلها منه مبتهجا بها.
فلما كان آخر النهار حضر عندنا رجل من أهل أصبهان فتحدث عندنا الى أن اتفق أنه قال: كان الفقيه المغربي الذي عندكم اليوم في السوق فاشترى سجادة حسنة بكذا وكذا فأمر والدي بإحضار السجادة فقال الرجل: إي والله هذه هي فسكت والدي وسقط ابن دحية من عينه.
وأرخ وفاته في ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وست مِئَة.
ومن تركيبات ابن دحية أنه حدث بصحيح مسلم بسماعه له زعم من القاضي أبي عبد الله بن زرقون أخبرنا به أحمد بن محمد الخولاني أخبرنا الحافظ أبو ذر الهروي أخبرني أبو بكر الجوزقي أخبرنا أبو حامد بن الشرقي أخبرنا مسلم.
وهذا إسناد مركب ولم يسمع أبو ذر من الجوزقي في صحيح مسلم على الوجه وإنما سمع منه أحاديث