فقال له: سِرْ إلى الكوفة فانظر ما كتبوا به إليّ، فإن كان حقًّا قدمت إليهم، فخرج مسلم حتى أتى المدينة فأخذ منها دليلين فمرا به في البرية فأصابهم عطش فمات أحد الدليلين، وكتب مسلم إلى الحسين يستعفيه فأبى أن يعفيه وكتب إليه أن امض إلى الكوفة، فخرج حتى قدمها فنزل على رجل من أهلها يقال له، عوسجة فلما تحدث أهل الكوفة بقدومه دبوا إليه فبايعه منهم اثنا عشر ألفًا، فقام رجل ممن يهوى يزيد بن معاوية يقال له: عبيد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي إلى النعمان بن بشير فقال له: إنك لضعيف أو مستضعف، قد فسد البلد.
فقال له النعمان: لأن أكون ضعيفًا في طاعة الله أحب إلي من أن أكون قويًّا في معصية الله، وما كنت لأهتك سترًا ستره الله.
فكتب بقوله إلى يزيد بن معاوية، فدعا يزيد مولى له يقال له: سرحون قد كان يستشيره فأخبره الخبر، فقال له: أكنت قابلا من معاوية لو كان حيًّا؟ قال: نعم.
قال: فاقبل مني أنه ليس للكوفة إلا عبيد الله بن زياد فولها إياه.
وكان يزيد عليه ساخطًا، وكان قد همَّ بعزله، وكان على البصرة، فكتب إليه برضاه عنه، وأنه قد ولاه الكوفة مع البصرة، وكتب إليه: أن يطلب مسلم بن عقيل ويقتله إن وجده.
فأقبل عبيد الله بن زياد في وجوه البصرة حتى قدم الكوفة متلثما، فلا يمر على مجلس من مجالسهم فيسلم عليهم إلا قالوا: السلام عليك يا ابن رسول الله، وهم يظنون أنه الحسين بن علي، حتى نزل القصر فدعا مولى له فأعطاه ثلاثة آلاف درهم، وقال: اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايع أهل الكوفة فأعلمه أنك رجل من أهل حمص جئت لهذا الأمر، وهذا مال تدفعه إليه ليقوى به، فخرج الرجل فلم يزل يتلطف به ويرفق حتى دل على