فأمر بضرب عنقه، فقال له الزِّنديقُ: لِمَ تضرب عنقي يا أمير المؤمنين؟ قال: أُرِيحُ العبادَ منك، قال: فأين أنت من ألف حديثٍ وضعتُها على رسول الله ﷺ، كلّها ما فيها حرفٌ نَطَقَ به رسول الله؟ﷺ قال: فأين أنت يا عدوَّ الله من أبي إسحاق الفَزَاريّ وعبد الله بن المبارك ينخلانها، فيُخرِجانها حرفًا حرفًا.
وقد دوّن علماء الحديث دواوين كثيرةً تُعنى برواة الحديث وبيان حالهم، تفننوا في تصنيفها، وتنوعت أغراضهم فيها: فمنهم من أفرد الثقات بالتصنيف، ومنهم من أفرد المجروحين، ومنهم من جمع بين الثقات والمجروحين، ومنهم من اعتنى برواة بلدٍ مُعيَّن، ومنهم من اعتنى بخدمة رجال كتب معينة.
ومن هذه المصنِّفات التي اعتنت برجال كتبٍ مُعيَّنة: كتاب "تهذيب التهذيب" للحافظ الكبير أحمد بن علي بن حَجَر العسقلانيّ (ت ٨٥٢ هـ)﵀، هذا الكتاب الجليل الذي يُعد من أهمّ كتب الرجال والجرح والتعديل؛ فقد حوى أهمَّ ما تضمنته ثلاثُ موسوعاتٍ في علم التراجم، هي: كتاب "الكمال في أسماء الرجال" للحافظ عبد الغني المقدسي، وكتاب "تهذيب الكمال" للحافظ المزي، وكتاب "إكمال تهذيب الكمال" للعلامة مُغلطاي، مع مزيدٍ من الإضافات المهمة والتنبيهات النفيسة من الحافظ ابن حجر ﵏ جميعًا -.
ولأهمية هذا الكتاب العظيم "تهذيب التهذيب" قُمْنا بدراسته وتحقيقه في خمس عشرة رسالة علمية قُدِّمت في كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، عام (١٤٣١ هـ)؛ للحصول على درجة العالمية (الماجستير).
ومكثنا في دراسته وتحقيقه خمسَ سنواتٍ، وأشرف على عملنا نُخبة من أساتذة الكلية؛ وهم: شيخنا الفاضل الدكتور إبراهيم بن محمد نور بن سيف، وشيخنا الفاضل الدكتور عبد الباري بن حماد الأنصاري، وشيخنا الفاضل الدكتور مصلح بن جزاء الحارثي، وشيخنا الفاضل الدكتور صالح بن غالب العواجي.