للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ونزاهة وتواضعٍ، زائدٍ واستجلابٍ لخاطر الصغير قبل الكبير، وإحسانٍ للفقراء والطلبة، ومع هذا فقد نَدِمَ على قبوله وظيفةَ القضاء؛ لكون أرباب الدولة لا يُفرِّقون بين أولي الفضل وغيرهم، ويُبالغون في اللَّوم حيث رُدَّت إشاراتهم، وإن لم تكن على وَفْقِ الحقّ، ولما يحتاجه القاضي من مداراة الناس بحيث لا يمكنه مع ذلك القيام بكل ما يرومه على وجه العدل (١).

[المبحث السابع: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه]

لقد حظي الحافظُ ابن حجر بمكانةٍ كبيرةٍ عاليةٍ ومنزلةٍ رفيعةٍ ساميةٍ؛ في أوساط العلم، وأهله، وطلابهِ.

ولا غرو في ذلك؛ فقد حباه الله تعالى بأمورٍ عديدة أهّلته لبلوغ تلك المكانة، ومن أهم هذه الأمور:

أولا: سُرعة حفظِه؛ فقد رُزِقَ في صغره سُرعةً في الحفظ، بحيث كان ي حفظ كُلَّ يومٍ نصفَ حزبٍ، بل بلغ من أمره أنّه حفظ سورة مريم في يومٍ واحدٍ، ولم يكن حفظُه بالدَّرسِ على طريقة الأطفال، بل كان حفظُه على طريقة الأذكياء تأمُّلًا (٢).

ثانيًا: سرعة القراءة الحسنة، وأسرعُ شيءٍ وقع له أنّه قرأ في رحلته الشامية "معجم الطبرانيّ الصغير في مجلسٍ واحدٍ بين صلاتي الظهر والعصر، وهو يشتمل على نحو من ألف وخمسمائة حديث؛ لأنّ الطبرانيَّ ألف خرّج فيه عن شيخٍ حديثًا أو حديثينِ.

ثالثًا: سرعة الكتابة مع حُسنها؛ فقد نقل تلميذُه الحافظُ السخاويُّ أنه سمعه يقول: (كنتُ أكتب في تلخيصي لتهذيب المزّيّ إلى الزوال كُرَّاسًا في


(١) انظر: "الجواهر والدُّرر" (٢/ ٥٨١ - ٦٣٩).
(٢) كما تقدّم بيانُه في المبحث الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>