وقد خَلَطُوا بِكُتُبِهم أخبارهم، وليس عندهم تمييز وهذه الأُمَّةُ إِنما تَنُصُّ الحديث مِنَ الثِّقَةِ المَعروف في زمانه المشهور بالصِّدقِ والأمانة، عن مثله حتى تتناهى أخبارُهم، ثُم يبحثون أشَدَّ البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ، والأضبط فالأضبط، والأطوَلَ مُجالسة لِمَنْ فَوْقَهُ ممن كان أقلَّ مُجالسة، ثم يَكتُبون الحديث من عشرين وجهًا وأكثر حتى يُهذِّبُوهُ مِنَ الغَلَطِ والزَّلَل، ويضْبِطوا حُروفَه ويَعُدُّوهُ عَدَّا، فهذا مِنْ أعظم نعم الله تعالى على هذه الأمة".
هذا؛ وعُلومُ الحديث التي خدمته بقوة، وميزت بين صحيحه وحسنه، وضعيفه وموضوعه، كثيرةٌ ومتنوعة، تَصِلُ إلى نحو خمسينَ عِلْمًا، مِنْها ما يتعلقُ بِرُواةِ الحديث وبيان أحوالهم ومَدَى أهلِيَّتهم؛ وهُوَ: ما يُعرَفُ بِعلْمِ الرِّجال، أو عِلْمِ الجرح والتعديل، ومِنْ أعظم كُتُب هذا العلم وأهمِّها وأكثرها فائدةً: كتاب الحافظِ الكبير شَيخ الإسلام الإمام أبي الفَضْل أحمد بن علي، المعروف بابنُ حَجَرْ العسقلاني، (ت: ٨٥٢ هـ)، الذي بين أيدينا، والمشهور باسم: "تهذيب التهذيب".
وقد مَكَثَ في دِرَاسَةِ هذا الكتاب وتَحْقيقه - خَمْسُ سنواتٍ - ثلةٌ من العلماء والباحثين، بَلَغُوا خمسة عشر، وذلك في كُلِّيَّةِ الحديث الشريف في الجامعة الإسلامية، بِبَلَدِ الحديث والسُّنة: المدينة المنورة، وحَصَّلُوا به على درجة العالمية.
وإذ تتشرفُ جمعيةُ دارِ البرِّ بأنْ تُقدِّمَ للعلماء والباحثين في السنة النبوية وعلومها الشريفة هذا الكتاب، فإنَّها تُعْلِنُ عن إفساح المجال للباحثين المُتَخصِّصين في العلوم الشرعية كافة؛ لِنَشْرِ رسائلهم الجامعية وبحوثهم المُحَكَّمَة، كما تدعو الجمعية أهل الخير لدعم هذا المشروع العلمي، والإسهام في نشر العلوم الإسلامية الصحيحة، والمحافظة على هذا الإرث العظيم، والحمد لله رب العالمين.