وقال الخطيب أيضًا في "المتفق والمفترق" (١/ ١٠٩ - ١١٢) - وهي أول مسألة بدأ بها كتابه -: قد غَلِط ابن معين في هذا القول غَلَطًا ظاهرًا، وأخطأ خطأً فاحشًا. وحديث مالك صحيح، رواه عنه كافة أصحابه، وساقه في "موطئه" عن عبد الملك بن قُرَيْر، عن محمد بن سيرين. ويرى أن الوهم دخل فيه على يحيى لاتفاق الاسمين، وتقارب الأبوين، أعني من عبد الملك بن قُرَيْر وعبد الملك بن قُرَيْب. ثم ذكر قول ابن معين، عن الأصمعي: سمع مني مالك بن أنس. ثم قال: فلما صحّ سماع يحيى هذا من الأصمعي، واسمه عبد الملك بن قُرَيْب وانتهت إليه رواية مالك، عن عبد الملك بن قُرَيْر، ظنّه الأصمعي، فقضى على مالك بالخطأ، وألزمه الوهم. ولو أمعن يحيى النظر، لعلم أن الأصمعي لا يروي عن محمد بن سيرين. وعبد الملك بن قُرَيْر الذي روى عنه مالك، هو العبدي، أخو عبد العزيز بن قُرَيْر، من أهل البصرة. ولا أعلم روى عن عبد الملك غير مالك. وأما عبد العزيز، فروى عنه سفيان الثوري، وعَطَّاف بن خالد، وهو يروي عن الأحنف بن قيس، وعن محمد بن سيرين أيضًا. فإذا كان يحيى بن معين لم يسلم من الوهم مع ثبوت قدمه في هذا العلم، لأدنى شبهة دخلت عليه من قبل كلام وقع إليه فكيف يكون حال من هو دونه، إذا ورد اسمان في كل جهة متفقان نسبًا، وتسميةً، وطبقةً، وروايةً. إنّ وقوع الإشكال يكون أكثر، إلا من أمعن النظر فيه وتدبّر.