عليه من مواليه يسمع ما يقول، فمر بهانئ، فقال له هانئ: يا شريح اتق الله! فإنه قاتلي.
فخرج شريح حتى قام على باب القصر فقال: لا بأس عليه إنما حبسه أمير ليسائله، فقالوا: صدق ليس على صاحبكم بأس، قال: فتفرقوا.
وأتى مسلمًا الخبر فنادى بشعاره فاجتمع إليه أربعون ألفًا من أهل الكوفة، فقدم مقدمة وهيأ ميمنة وميسرة وسار في القلب إلى عبيد الله.
وبعث عبيد الله إلى وجوه أهل الكوفة فجمعهم عنده في القصر، فلما سار إليه مسلم وانتهى إلى باب القصر أشرفوا من فوقه على عشائرهم فجعلوا يكلمونهم ويردونهم فجعل أصحاب مسلم يتسللون حتى أمسى في خمسمائة، فلما اختلط الظلام ذهب أولئك أيضًا، فلما رأى مسلم أنه قد بقي وحده تردد في الطريق، فأتى باب منزل فخرجت إليه امرأة فقال لها: اسقني ماءًا فسقته، ثم دخلت فمكثت ما شاء الله ثم خرجت فإذا هو على الباب، فقالت: يا عبد الله إن مجلسك مجلس ريبة فقم، فقال لها: إني مسلم بن عقيل فهل عندك مأوى؟ قالت: نعم فادخل فدخل.
وكان ابنها مولى لمحمد، بن الأشعث، فلما علم به الغلام انطلق إلى محمد بن الأشعث فأخبره، فبعث عبيد الله صاحب شرطته ومعه محمد بن الأشعث فلم يعلم مسلم حتى أحيط بالدار فلما رأى ذلك مسلم خرج بسيفه فقاتلهم فأعطاه محمد بن الأشعث الأمان فأمكن من يده فجاء به إلى عبيد الله فأمر به فأصعد إلى أعلى القصر فضرب عنقه وألقى جثته إلى الناس، وأمر بهانئ فسحب إلى الكناسة فصلب هناك، فقال شاعرهم في ذلك:
فإن كنتِ لا تدرين ما الموتُ فانظري … إلى هانئ في السوق وابن عقيل (١)
(١) وضع الحافظ ابن حجر دارة منقوطة بعد قوله (وابن عقيل).