للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والسُّنَن والأحكام، روى عنه زُهاء ثلاث مئة (١) رجل من أئمَّة البلدان، منهم زيادة على سبعين رجلًا من خيار التابعين ورفعائِهم، وهذه منزلةٌ لا تكاد توجد لكبير أحدٍ من التابعين، على أنَّ مَن جَرحه من الأئمَّة لم يُمْسِكْ عن الرِّواية عنه ولم يَستغنوا عن حديثه، وكان يُتلقَّى حديثه بالقَبُول، ويُحتجُّ به قرنًا بعد قرن، وإمامًا بعد إمام، إلى وقت الأئمَّة الأربعة الذين أخرجوا الصحيح، وميَّزوا ثابته من سقيمه، وخطأَه من صوابه، وخرَّجوا روايته، وهم البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، فأجمعوا على إخراج حديثه واحتجوا به، على أنَّ مسلمًا كان أسوأهم رأيًا فيه، وقد أخرج عنه مقرونًا وعدَّله بعد ما جرَّحه (٢).

وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزيّ: قد أجمعَ عامَّةُ أهلِ العلم على الاحتجاج بحديث عِكرمة، واتَّفق على ذلك رُؤساء أهلِ العلم بالحديث من أهل عصرنا، منهم أحمد بن حَنبل، وابن راهُويه، ويحيى بن معين، وأبو ثَور، ولقد سألتُ إسحاق بن راهُويه عن الاحتجاج بحديثِه، فقال: عِكْرِمَةُ عندنا إمامُ الدُّنيا، وتعجَّب مِن سؤالي إيَّاه، وحدَّثنا غيرُ واحدٍ أَنَّهم شهدوا يحيى بن معين، وسأله بعضُ النَّاس عن الاحتجاج بعكرمة فأظهر التعجُّب (٣).

قال أبو عبد الله: وعِكرمة قد ثَبتتْ عدالتُه بصحبةِ ابنِ عباس، وملازمتِه


(١) هكذا في "إكمال تهذيب الكمال"، وفي "ذكر حال عكرمة" (ص ٢٠): "زهاء ست مئة".
(٢) "ذكر حال عكرمة" (ص ٢٠ - ٢١)، وانظر:"إكمال التهذيب" (٩/ ٢٦١).
وأمَّا الإمام مسلم فأخرج له حديث ابن عباس في الاشتراط في الحج مقرونًا بطاوس وسعيد بن جُبير. "صحيح مسلم" (١٢٠٨/ ١٠٦ و ١٠٧).
(٣) "التمهيد" لابن عبد البر (٢/ ٣٣)، وذكر حال عكرمة للمنذري (ص ٢١)، و"إكمال التهذيب" (٩/ ٢٦١).