للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على ترك ذلك لمَّا رأوه قد أفضى إلى أشد منه، ففي وقعة الحرة ووقعة ابن الأشعث وغيرهما عظةٌ لمن تدبر، وبمثل هذا الرأي لا يقدح في رجل قد ثبتت عدالته واشتهر بالحفظ والإتقان والورع التام، والحَسَنُ مع ذلك لم يخرج على أحد قط، وأما ترْكُ الجمعة ففي جملة رأيه ذلك أن لا يصلي خلف فاسق، ولا يصحح ولاية الإمام الفاسق، فهذا ما يعتذر به عن الحسن، وإن كان الصوابُ خلافَه، فهو إمام مجتهد (١).

قال وكيع: كان الحسن وعلي ابنا صالح وأمهما قد جزأوا الليل ثلاثة أجزاء، فكان كل واحد يقوم ثلثًا، فماتت أمهما فاقتسما الليل بينهما، ثم مات علي فقام الحسن الليل كله (٢).

وقال أبو سليمان الداراني: ما رأيت أحدًا الخوف أظهر على وجهه من


= مخالف للنص، فالنصوص كثيرة في ذلك، كما أنه لا يجوز أن ننسب إلى أحدث قولًا في العقائد ولو كان من التابعين أن يقول هذا قول للسلف، فكذلك في مسائل الإمامة لا يسوغ أن نقول هذا قول للسلف؛ لأن من أحدث القول بالقدر كان من التابعين، ومن أحدث القول بالإرجاء كان من التابعين، من جهة لقيه للصحابة، لكن رد ذلك، ردت تلك الأقوال عليه ولم يسغ أحد أن يقول قائل (كان ثم قولان للسلف في مسألة كذا) فكذلك مسائل الإمامة أمر السلف فيها واحد ومن تابعهم، وإنما حصل الاشتباه من جهة وقوع بعض الأفعال من التابعين أو تبع التابعين أو غيرهم في ذلك، والنصوص مجتمعة عليهم لا حظ لهم منها.
(١) الذي يظهر لي أن الاجتهاد في هذه المسألة كان سائغًا قبل انعقاد الإجماع على تحريمها، وقد انعقد الإجماع على تحريم الخروج على ولاة الجور قبل الحسن بن صالح بن حي، ولذا اشتد نكير جماعة كبيرة من السلف عليه لقوله في ذلك وتركه الجمعة والجماعة خلف أئمة الجور، وعدّ الذهبي ما وقع فيه الحسن بن صالح بدعة فقال: في ترجمة الحسن "سير أعلام النبلاء" (٧/ ٣٦١): هو من أئمة الإسلام لولا تلبسه ببدعة. اهـ، ولا شك أن هذا يقدح في الحسن بن صالح، بغض النظر عن عبادته وزهده فالعبرة أولا بموافقة السنة، والله أعلم.
(٢) "معرفة الثقات" (١/ ٢٩٦).