ومما سبق يترجح ضعف رواية ابن جريج عن الزهري أيضًا، وأنها لا تنهض لتقوي طريق يحيى ابن جُرجة، لضعفها الشديد؛ ويضاف إلى ذلك احتمال كون ابن جُريج قد دلَّسه عن يحيى بن جُرْجَه نفسِهِ؛ لأنه من أشهر تلاميذه وكلاهما قد روى هذا الحديث، فاحتمال تدليسه عنه قويٌّ، والله أعلم. (والثالث): ما رواه بكر بن وائل الكوفي، عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صُعير، عن أبيه، عن النبي ﷺ، وأخرج حديثَهُ أبو داود في "السنن"، باب: من روي نصف صاع من قمح، برقم: (١٦٢٠)، وابنُ أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (١/ ٤٥٢، برقم: ٦٢٩)، وابنُ خزيمة في "صحيحه" (٤/ ١٤٥، برقم: ٢٤١٠)، كلهم من طرقٍ عن همام، عن بكر بن وائل الكوفي، عن الزهري به. وبكرٌ قد احتج به مسلمٌ في صحيحه (كتاب: الأيمان والنذور، برقم: (٤٢٤٦)، ووثقه الحاكم، والخليلي "المستدرك" (٢/ ١٠)، و "الإرشاد" (١/ ١٩٥)، وقال سفيان: (كان يجالس الزهري معنا)، وقال أبو حاتم: (صالح)، وقال النسائي: (ليس به بأس)، راجع لما سبق: "تهذيب الكمال" (٤/ ٢٣١). وهذا الوجه الذي رواه بكر بن وائل؛ هو الأقوى عن الزهري، والذي قال فيه: (عبد الله بن ثعلبة، عن أبيه، عن النبي ﷺ)، وقد رجحه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (١/ ٤٥١). وقال الإمام الذهلي: (إنما هو: عبد الله بن ثعلبة، وإنما هو "عن كل رأس أو كل إنسان"؛ هكذا رواية بكر بن وائل، لم يقم هذا الحديث غيره، قد أصاب الإسناد والمتن) "السنن الكبرى للبيهقي (٤/ ١٦٨). وقال البخاري كما في "إكمال تهذيب الكمال" (٧/ ٢٧١): (عبد الله بن ثعلبة عن النبي ﷺ مرسلٌ، إلا أن يكون عن أبيه، وهو أشبه). وكذا رجَّحَهُ ابن حزم في "المحلى" (٤/ ٢٤٢) لكنه ضعَّف الحديث لجهالة عبد الله بن ثعلبة عنده، والله تعالى أعلم بالصواب.