قلت: ومنها ما روى عن عائشة ما كان أحسن خلقاً منه ما دعاه أحد من أصحابه إلا قال لبيك وكان يركب الحمار ويردف خلفه وفي مختصر السيرة للطبري أنه كان ركب حماراً عرياً إلى قباء ومعه أبو هريرة فقال أحملك فقال ما شئت يا رسول لله فقال اركب فوثب ليركب فلم يقدر فاستمسك به - صلّى الله عليه وسلم - فوقعا جميعاً ثم ركب وقال له مثل ذلك ففعل فوقعا جميعاً ثم ركب فقال مثل ذلك فقال لا والذي بعثك بالحق ما رميتك ثالثاً وأنه كان في سفر فأمر أصحابه بإصلاح شاة فقال رجل عليّ ذبحها وقال آخر عليّ سلخها وقال آخر عليّ طبخها فقال - صلّى الله عليه وسلم - عليّ جمع الحطب فقالوا يا رسول الله نكفيك العمل فقال قد علمت أنكم تكفوني ولكن أكره أن أتميز عليكم وأن الله تعالى يكره من عبده أن يراه متميزاً بين أصحابه اهـ وروى ابن عساكر القصة الأخيرة مختصرة وروى أيضاً أنه - صلّى الله عليه وسلم - كان في الطواف فانقطع شسع نعله فقال بعض أصحابه ناولني أصلحه لك فقال هذه أثرة ولا أحب الأثرة وفي الشفاء أنه - صلّى الله عليه وسلم - خدم وفد النجاشي فقال له أصحابه نكفيك فقال إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين وأنا أحب أن أكافئهم فكل هذه الأخبار دالة على شدة تواضعه - صلّى الله عليه وسلم -.
قال ابن السبكي:(٦/ ٣٢٢) حديث (كان أشد الناس تواضعاً، وأسكنهم من غير تكبر، وأبلغهم من غير تطويل) لم أجد له إسناداً.
٢١١٨ - (أسكنهم) أي أكثرهم سكوناً (في غير كبر).
قال العراقي: روى أبو داود وابن ماجه من حديث البراء فجلس وجلسنا كأن على رؤسنا الطير ولأصحاب السنن من حديث أسامة بن شريك أتيت النبي - صلّى الله عليه وسلم - وأصحابه كأنما على رؤسهم الطير وفي الشمائل للترمذي أطرق جلساؤه كأنما على رؤسهم الطير فإذا سكت تكلموا وفي الشمائل لأبي الحسن بن الضحاك من حديث أبي سعيد الخدري دائب الإطراق وسنده ضعيف أي دائم السكون وقوله كأنما على رؤسهم الطير كناية عن كونهم عند كلامه - صلّى الله عليه وسلم - على غاية تامة من السكوت والإطراق وعدم الحركة والالتفات أو عن كونهم مهابين مدهوشين في هيئته لما أن كلامه عليه أبهة الوحي وجلالة