فيها من الطعام أكثر من غيرها ولأنها لطولها أوّل ما ينزل الطعام ثم بالسبابة ثم بالإبهام لما روى الطبراني في الأوسط رأيت رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يأكل بأصابعه الثلاث قبل أن يمسحها الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام وعند مسلم إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها وليمط ما كان بها من أذى ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه لأنه لا يدري في أي طعامه البركة وفي هذه الأخبار الرد على من كره اللعق استقذار ومن ثم قال الخطابي عاب قوم أفسد عقولهم الترفه لعق الأصابع وزعموا أنه مستقبح كأنهم لم يعلموا أن الطعام الذي لعق بالأصابع والصحفة جزء مما أكلوه فإذا لم يستقذر كله فلا يستقذر بعضه وليس فيه أكثر من مصها بباطن الشفة ولا يشك عاقل أن لا بأس بذلك وقد يدخل الإنسان أصبعه في فيه فيدلكه ولم يستقذر ذلك أحد اهـ ملخصاً ويؤيده إن الاستقذار إنما يتوهم في المعنى أثناء الأكل لأنه يعيدها في الطعام وعليها آثار ريقه وهذا غير سنة واعلم أن الكلام فيمن استقذر ذلك من حيث هو لا مع نسبته للنبي - صلّى الله عليه وسلم - والإخُشي عليه الكفر إذ من استقذر شيئاً من أحواله - صلّى الله عليه وسلم - مع علمه بنسبته إليه كفر ثم قوله أو يلعقها غيره أي ممن لا يتقذره من نحو ولد وخادم وزوجة يحبونه ويتلذذون بذلك منه فإن في ذلك بركة.
٢٢١٣ - كان - صلّى الله عليه وسلم - (إذا فرغ) من الطعام (قال اللهم لك الحمد) لأن الطعام نعمة والحمد عقيب النعم يقيدها ويؤذن باستمرارها وزيادتها فلذلك أتى - صلّى الله عليه وسلم - بتلك الصفات البليغة تحريضاً لأمته على التأسي به في ذلك فقال (أطعمت وأشبعت وسقيت وأرويت لك الحمد غير مكفور) أي غير مجحود بفضله ونعمته (ولا مودّع) بتشديد الدال مع فتحها أي غير متروك ومع كسرها أي حال كوني غير تارك له ومعرض عنه فمآل الروايتين واحد وهو دوام الحمد واستمراره (ولا مستغنى عنه) بفتح النون قيل عطف تفسير إذ المتروك المستغنى عنه وفيه نظر بل فيه فائدة لم تستفد من سابقه هنا وهي أنه لا استغناء لأحد عن الحمد لوجوبه أن من تركه لفظاً يأثم به على أنه إن أتى به في مقابلة النعمة أثيب عليه ثواب المندوب.