الخضراء فزلف الناس إلى المقصورة ودنوت فيمن دنا منهم إليها فبينا نحن كذلك خرج علينا رجل على يده اليسرى ثياب ملفوفة فإذا هو الضحاك بن قيس الفهري فدنا من المنبر فاتكأ عليه بيده اليسرى ودنا الناس منه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس إني قائل لكم قولاً فرحم الله امرءاً وعى ما سمع مني ولم يزد فيه ولم ينقص تعلمون أن معاوية كان أحد العرب مكن الله له في البر والبحر وأذاقكم معه الخفض والطمأنينة ولذاذة العيش وأهوى بيده إلى فيه وأنه قد هلك رحمة الله عليه وهذه أكفانه على يدي ونحن مدرجوه فيها ودافنوه وإياها ومخلون بينه وبين ربه ثم هي والله البلايا بعده والملاحم والفتن وما توعدون إلى يوم القيامة ثم دخل الخضراء ثم خرج لصلاة الظهر فصلى بنا الظهر ثم خرجوا بجنازة معاوية ودفنوه ومما يلحق به ولده يزيد وحفيده معاوية بن يزيد.
قال محمود بن محمد بن الفضل: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الكزبراني حدثنا الحسن بن محمد بن أعين حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن مروان عن أبيه قال قال عامر بن مسعود الجمحي كنا جلوساً في مجلس عند الكعبة إذ مر يزيد ينعي معاوية فقلت لأصحابي قوموا بنا إلى ابن عباس وهو يومئذ بمكة وقد كف بصره فنكون أوّل من نخبره ونسمع ما يقول فأتيناه فاستأذنا عليه فدخلنا فإذا بين يديه خوان عليه الكفري ولم يوضع الخبز فسلمنا وقلنا هل أتاك الخبر يا ابن عباس قال وما هو قلنا يزيد ينعي معاوية فقال ارفع خوانك يا غلام ثم ظل واجماً كئيباً مطأطأً رأسه لا يتكلم طويلاً ثم رفع رأسه وقال:
جبل تزعزع ثم صال بركنه ... في البحر لا ارتفعت عليه الأبحر
ثم قال اللهم فإنك أوسع لمعاوية أما والله ما كان مثل من كان قبله ولا يكون بعده مثله وإن ابنه هذا من صالحي أهل بيته لقومه وما نحن وبنو عمنا هؤلاء إلا كعضوي لقمان قتل صاحبنا غيرهم وقتل صاحبهم غيرنا فأغروا بنا وأغرينا بهم أما والله ما أغراهم بنا إلا أنهم لم يجدوا مثلنا