يعارض بها الأحاديث الصحيحة ولولا أن تعرض للمتفقه شبهة عند سماعها فيظنها صحيحة لكان الإضراب عن ذكرها أولى ويكفي في ضعفها إعراض المصنفين للمسانيد والسنن عن جمهورها، وقد ذكر الدارقطني منها طرفاً في سننه فبين ضعف بعضها وسكت عن بعضها وقد حكى لنا مشايخنا أن الدارقطني لما ورد مصر سأله بعض أهلها تصنيف شيء في الجهر فصنف فيه جزءاً فأتاه بعض المالكية فأقسم عليه أن يخبره بالصحيح من ذلك فقال كل ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجهر فليس بصحيح وأما عن الصحابة فمنه صحيح ومنه ضعيف، ثم تجرد الإمام أبو بكر الخطيب لجمع أحاديث الجهر فأزرى على علمه بتغطية ما ظن أنه لا ينكشف وقد بينا عللها وخللها ثم إنا بعد ذلك نحمل أحاديثهم على أحد أمرين إما أن يكون جهر بها للتعليم أو جهر بها جهراً يسيراً أو جهر بها جهراً يسمعه من قرب منه والمأموم إذا قرب من الإمام أو حاذاه سمع منه ما يخافته ولا يسمى ذلك جهراً كما ورد أنه كان يصلي بهم الظهر فيسمعهم الآية والآيتين بعد الفاتحة أحياناً والثاني أن يكون ذلك قبل الأمر بترك الجهر فقد روى أبو داود من مرسل سعيد بن جبير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وكان مسيلمة يدعى رحمان اليمامة فقال أهل مكة إنما يدعو إله اليمامة فأمر الله رسوله بإخفائها فما جهر بها حتى مات فهذا يدل على نسخ الجهر قال ومنهم من سلك في ذلك مسلك البحث والتأويل فقال: إن أحاديث الجهر تقدم على أحاديث الإخفاء بأشياء أحدها بكثرة الرواة فإن أحاديث الإخفاء رواها اثنان من الصحابة أنس بن مالك وعبد الله بن مغفل وأحاديث الجهر رواها أربعة عشر صحابياً والثاني أن أحاديث الإخفاء شهادة على نفي وأحاديث الجهر شهادة على إثبات والإثبات مقدم على النفي قالوا وإن أنساً قد روى عنه إنكار ذلك في الجملة فروى أحمد والدارقطني من حديث سعيد بن يزيد أبي مسلمة قال سألت أنساً أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم أو الحمد لله رب العالمين قال إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه أو ما سألني عنه أحد قبلك قال الدارقطني إسناده صحيح قلنا أما اعتراضهم بكثرة الرواة فالاعتماد عليها لا يكون إلا بعد صحة الدليلين وأحاديث الجهر ليس فيها صحيح صريح بخلاف حديث الإخفاء