للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وربما كانت مغامرات نفر مصر طلَّاب الزعامة. سببًا في هذه الكارثة التي حلت ببني قريظة ولو أَنَّ حُيي بن أخطب وأضرابه سكنوا في جوار الإسلام وعاشوا على ما أُوتوا من مغانم، ما تعرضوا ولا تعرَّض قومهم لهذا القصاص الخطير.

ثم يتحدث الأُستاذ الغزالى عن ظاهرة لا تزال في كل عصر وزمان، وهي أن الشعوب (فقط) هي التي تدفع الثمن باهظًا لمغامرات قادتها المتهوسين المصابين بمرض حب السيطرة والتحكم فيقول: لكن الشعوب تدفع من دمها ثمنًا فادحًا لأخطاء قادتها، وفي عصرنا هذا دفع الروس والألمان وغيرهم من الشعوب أثمانًا باهظة لأَثَرة الساسة المخدوعين (١).

ولذلك ينعى القرآن على أولئك الرؤساء مطامعهم ومظالمهم التي يحملها غيرهم قبلهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (٢) (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} (٣). اهـ (٤).


(١) وفي هذه الأيام بالذات تراق الدماء العربية المسلمة بغزارة رخيصة لا لتحرير وطن من غاز أو محتل دخيل وإنما لإشباع شهوات فئة من القادة مصابين بوباء السيطرة والتسلط على غيرهم من إخوانهم فصار لذلك العربي يقتل أخاه العربي فأزهقت على مذابح أطماع هؤلاء الزعماء المتهوسين أرواح عشرات الآلاف من العرب وذهبت دماؤهم هدرًا، وهكذا فالثمن (دائمًا) لطيش الزعماء وغرورهم، إنما تدفعه الشعوب من دم أبنائها.
(٢) ما أشد ما تنطبق هذه الآية على ذلك الذي دفع بخيرة جنده وصفوة ضباطه ليموتوا بالآلاف (في حرب خاسرة ظالمة) كما يموت المعتدى الأثيم الباغي وما أسوأ المصير الذي يؤول إليه المسلم، إذ يقتله مسلم وهو يصد عدوانه عن عرضه وأرضه.
(٣) إبراهيم ٢٨ - ٢٩.
(٤) فقه السيرة ص ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>