ولم يكن ابن الخطاب وحده مكروبًا من شروط القرشيين في هذا الصلح، بل كان أكثر الصحابة متأَلِّمين من هذه الشروط، وغير مرتاحين للموافقة عليها، ولكن ليس كلُّهم كابن الخطاب جرأَة في الإفصاح عن ما يريدون الإفصاح في مثل هذه المواقف، لقد كان الصحابة كارهين للصلح ومشاركين لابن الخطاب في الشعور بالامتعاض والغمِّ والهمِّ نتيجة قيام هذا الصلح الذي لم يدركوا أبعاده كما أدركها النبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم -.
فقد كانوا لا يشكُّون في أنهم سيدخلون مكة للرؤيا التي رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في المدينة بأنه سيدخل مكة ويأخذ مفتاح الكعبة.
ولذلك صُدِموا صدمة شديدة عندما قام الصلح بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش على أساس أن يعود المسلمون. دون أن يدخلوا مكة فكادوا - يهلكون لهذه الصدمة النفسية العنيفة. وقد باحثوا النبي - صلى الله عليه وسلم - حول ما يختلج في صدورهم حول هذا الأمر المزعج بالنسبة لهم وتقدموا إليه بعدة أسئلة، ولكن بغير الأسلوب الشديد الذي عبر به عمر بن الخطاب في معارضته.
قال أبو سعيد الخدري - يصف امتعاض الصحابة وكرههم الصلح، وقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكرهون الصلح، لأنهم لا يشكّون في الفتح لرؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه حلق رأسه، وأنه دخل البيت، فأخذ مفتاح الكعبة، وعرَّف مع المعرِّفين، فلما رأوا الصلح دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهہلكون.