لقد كان تصرف بني تميم يحمل كل معاني الرعونة والصفاقة، فهم ليسوا في بلادهم وإنما منتجعون ضيوف في بلاد خزاعة، ولولا حلم خزاعة ورعايتها جانب قرابتها من بني تميم لفتكوا بهم، ولقد غضبت خزاعة لتصرف بني تميم، وقالت لبنى تميم: لولا قرابتكم ما وصلتم إلى بلادكم، ليدخلن علينا بلاء من عداوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى أنفسكم، تعرضون لرسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تردّونهم عن صدقات أموالنا. ثم أمرت خزاعة بني تميم أن يخرجوا من بلادها في الحال، وذلك كتعبير عن عدم رضي خزاعة بما صنعت تميم، فخرج بنو تميم هاربين من ديار خزاعة إلى بلادهم.
وعندما اطلع الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ما حدث من بني تميم. قال: من لهؤلاء القوم الذين فعلوا ما فعلوا؟ فقال عيينة بن حصن الفزاري: أنا والله لهم، أتبع آثارهم ولو بلغوا يبرين حتى آتيك بهم إن شاء الله، فترى فيهم رأيك أو يسلموا.
فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيينة على رأس قوة صغيرة من الفرسان قوامها خمسون فارسًا، كلهم من البادية، ليس بينهم مهاجر واحد ولا أنصارى، فأسرع عيينة بقواته الخفيفة كى يعترض بني تميم قبل أن يصلوا بلادهم، فصار يسير الليل ويكمن لهم بالنهار، وكان يتبع أخبارهم، فبلغه أنهم قد خيموا في أرض بني سليم، فلما عرف مكانهم توجه بفرسانه لمهاجمتهم.
وعندما شنّ عليهم الهجوم لم يثبتوا له، بل ولوا هاربين، ولكنه تمكن من أن يأسر أحد عشر رجلا منهم، كما سبى إحدى عشرة امرأة منهم وثلاثين صبيًّا، فحمل الجميع إلى المدينة، فأنزلهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دار، رملة بنت الحارث، إلى أن جاء وفد كبير من تميم مذعنين، وأعلنوا إسلام تميم كلها، فأطلق الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسراهم ثم أعاد إليهم نساءهم وصبيانهم كما هو مفصل في أخبار وفد تميم المشهورة، والذين أنزل الله تعالى فيهم {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}[الحجرات: ٤].