للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن بقاء الجيش الإِسلامي يقاتل الرومان في مؤتة إلى ما لا نهاية (بعد استمراره سبعة أيام يقاتلهم فيها بضراوة) يعتبر ضربًا من الانتحار. لا يرضاه النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولهذا رأينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يثنى أعظم الثناء على القائد خالد بن الوليد ويسميه سيف الله. لأنه انسحب بالجيش انسحابًا منظمًا جنبه ما كان يخشى عليه من إبادة وتمزيق.

[أعلى وسام في الدولة تمنحه بريطانيا للقائد الذي نجح في الانسحاب من أدنكرك]

وفي القرن العشرين رأينا كيف منحت ملكة بريطانيا القائد الإِنكليزى في (فرنسا) أعلى وسام في الدولة لأنه نجح في الانسحاب بالجيش من دانكرك في فرنسا إلى بريطانيا بأقل خسارة ممكنة. انسحب من أمام جيش الألمان الذي هو مساو له في العدد. ولكن الجيش البريطانى كان منهكًا في القتال لبعد خطوط تموينه وعدم وجود من يخلفه ليأخذ شيئًا من الراحة.

فكيف إذن لا يسمى ما قام به خالد بن الوليد حين قام بسحب جيشه على ذلك النحو المشرف. وبذلك الأسلوب البارع أمام سمع وبصر مائتي ألف مقاتل من الأعداء وقفوا مشلولي الحركة لا يحركون ساكنًا ضد هذا الجيش الصغير وهو ينسحب من الميدان. مع أن عدده لا يزيد على ثلاثة آلاف مقاتل. . كيف لا يسمى ما قام به خالد بن الوليد نصرًا وفتحًا؟ . .

وما أعرف الرسول النبي والمحارب والقائد - صلى الله عليه وسلم - وأبصره بالشئون العسكرية وما أقدره على تقدير ظروف وملابسات المعارك. ولقد برهن الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - على أنَّه قمة في المعرفة بأقدار الرجال حين منح القائد خالد بن الوليد لقب (سيف الله) في الوقت الذي تلقى فيه جمهور المدينة خالدا وجيشه بالحجارة يقذفونهم بها والتراب يحثونه في وجوههم. ساعة عودتهم من معركة مؤتة.

إن تصرف الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - إزاء القائد والجيش العائدين من (مؤتة) يدحض كل زعم قائل: إن جيش المسلمين قد فر وانهزم. أو أنَّه لم يحقق الأهداف التي تحرك من المدينة لتحقيقها.

<<  <  ج: ص:  >  >>