(بل ولكل إنسان) دروسًا قيمة عالية في التربية الخلقية وضبط النفس حتى في أحرج الأوقات وأمام أوقح الاستفزازات، دروسًا عملية يلقيها الرسول الأعظم إلى أمته ليرفع بها من شاء ممن يوفقهم الله للسير في حياتهم حسب نهجها.
فقد حدث أثناء اجتياز النبي - صلى الله عليه وسلم - بجيشه في حرة بني حارثة، أن مر بمزرعة لرجل يقال له مربع بن قيظي، وكان منافقًا ضرير البصر. فلما سمع حس النبي - صلى الله عليه وسلم - وحركة جيشه لم يستطع السيطرة على أعصابه للبغض العارم الذي يغتلم في نفسه للنھبي - صلى الله عليه وسلم -.
ولذلك قام هذا المنافق غاضبًا، وأخذ يحثو التراب في وجوه الجيش وهو يقول:
إن كنت رسول الله فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي (أي مزرعتي) ثم أخذ حفنة من تراب وقال، والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك.
فابتدره بعض أفراد الجيش ليقتلوه، فسارع الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الحيلولة بينهم وبين ذلك قائلا:
"لا تقتلوه، فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر".
ففي هذا العمل النبوي النبيل درس عظيم، وخاصة للحكام والقادة، الذين يجب عليهم أن يجعلوا الانتقام لأنفسهم، حتى ممن أساء إليهم أو أراد بهم شرًّا، تحت أقدامهم، ليتربعوا على القلوب طوعًا واختيارًا.
[المعسكر النبوي في أحد]
ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجيش حتى قطع وادي قناة، وحتى إذا ما وصل إلى فم الشعب من أحد (وهو المطل عليه وادي قناة الذي رابط