وبعد أن انتهت عاصفة المعارضة في صفوف الجانب الإسلامي المصلح واقتنع المعارضون بأنهم كانوا على خطإ في معارضتهم - بعد ما شرح لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبعاد المكاسب العظيمة التي سيظفر بها المعسكر الإسلامي نتيجة إبرام هذا الصلح - عاد الوفدان - الإسلامي برئاسة الرسول الأعظم، والقرشي برئاسة سهيل بن عمرو - عادا إلى الاجتماع، لوضع الصيغة النهائية المفصلة للصلح الذي اتفق الوفدان من حيث المبدإِ على وضع خطوطه العريضة وقواعده الرئيسية.
[الخلاف حول صيغة المعاهدة]
ولدى الشروع في وضع الصيغة النهائية للمعاهدة وكتابتها لتكون نافذة المفعول رسميًّا، حدث خلاف بين الوفدين حول بعض النقاط، كاد يعود بالأزمة إلى ما كانت عليه، فعندما شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - في إملاءِ الصيغة للمعاهدة المتفق على جوهرها أمر الكاتب بأن يبدأ المعاهدة بكلمة (بسم الله الرحمن الرحيم) وهنا اعترض رئيس الوفد القرشي سهيل بن عمرو وقال: لا أعرف الرحمن، اكتب (باسمك اللهم)، وعندها ثارت ثائرة الصحابة فضجُّوا محتجين على اعتراض سهيل، وأصروا على رفض اعتراض سهيل بن عمرو، وقالوا: هو الرحمن ولا تكتب إلا الرحمن، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - تمشيًا مع سياسة الحكمة والمرونة والحلم - أجاب سهيل بن عمرو وقال للكاتب:(اكتب باسمك اللهم)(١)، واستمر في الإملاء فأمر الكاتب أن يكتب: (هذا
(١) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٦٣٤ وسيرة ابن هشام ج ٢ ص ٣١٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٤٣ ومغازي الواقدي ج ٢ ص ٦١٠.