بعد أن استمع الناس في المسجد إلى بيان أبي سفيان الذي ألقاه على جماهير قريش، تفرق الناس ولدى كل منهم الاقتناع الكامل بأنه من العبث إبداء أية مقاومة للجيش النبوي، وأن الحكمة والصواب تكمنان فيما قاله ودعا إليه أبو سفيان الجماهير القرشية، وهو الكف عن القتال وإلقاء السلاح.
وانطلاقًا من هذا الاقتناع سارع القرشيون إلى إخلاء الطرقات واعتصموا، إمَّا بمنازلهم وإمَّا بالمسجد وإمَّا بدار أبي سفيان بن حرب، بعد أن ألقوا بأسلحتهم في الطرقات وأمام المنازل وعند مداخل المسجد، تقيدًا بالاتفاقية التي أبرمها زعيمهم أبو سفيان بن حرب مع الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - لتجنيب مكة ويلات الحرب، ولتكون أرواح القرشيين وأموالهم وكل ممتلكاتهم مصونة.
وبهذا طبق القرشيون نظام منع التجول وأصبحت شوارع مكة (قبل دخول الجيش النبوي إليها) خالية من الناس.
[الشاذون الذين قاوموا فهزموا]
وإذا كانت الأغلبية الساحقة من أهل مكة قد استجابوا لنداء العقل فقرروا الاستسلام لجيش الإِسلام الغازى الذي لا قبل لهم بمقاومته فألقوا السلاح وأخلوا الشوارع والتزموا منازلهم أو المسجد أو بيت أبي سفيان حتى أتم الجيش النبوي السيطرة على مكة، فإن أقلية من قريش خرجوا على الإِجماع، وعصوا زعيمهم أبا سفيان بن حرب، فحملوا السلاح وقرَّروا مقاومة الجيش النبوي الزاحف، ولكن مقاومتهم سُحقت خلال عدة دقائق، وكان من سوء حظهم أن كانت مقاومتهم في وجه أمهر قائد حربى عرفته جزيرة العرب (بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم -) وهو خالد بن الوليد.
وكان من بين الذين خرجوا على الإِجماع فقاوموا الجيش النبوي فتسببوا فيما لم يرغبه الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - من سفك الدم في الحرم الآمن رجال صاروا فيما بعد من الأبطال الذين رووا شجرة الإِيمان بدمائهم الزكية الطاهرة مجاهدين في سبيل الله، مثل صفوان بن أمية، وعكرمة بن