إلا القضاء عليه وتحطيم دعوته، فإنه يحسن بنا ذكر هذه القصة التي فيها خير درس لكل من يتولى أمرًا من أمور الأمة.
[نجاح رأس النفاق في الشفاعة]
فقد روى ابن إسحاق أن يهود بنى قينقاع لما استسلموا دونما قيد أو شرط، وصار مصيرهم بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - يحكم فيهم بما شاء، قام إليه رأس النفاق عبد الله بن أبي فقال:"يا محمد أحسن في موالى (يعني حلفاءه) فأبطأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكرر ابن أبيّ طلبه، فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأدخل يده في جيب درع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتغير لون النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال لابن أبي: أرسلنى - (أي اسحب يدك من درعى)، وغضب - صلى الله عليه وسلم - حتى رأوا لوجهه ظللا، ثم أعاد - صلى الله عليه وسلم - القول (مغضبًا): "أرسلنى ويحك".
فلم يستجب رأس النفاق بل ظل ماسكًا درع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وألح في طلب العفو عن اليهود قائلًا: (لا والله لا أُرسلك حتى تحسن في مواليّ، أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة إني والله امرؤ أخشى الدوائر.
ولم يسع النبي الحليم العظيم أمام هذا الإلحاح والمضايقة إلا أن يستجيب لالتماس رأس النفاق فيعفو عن حلفائه اليهود، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "هم لك".
وبهذا تمكن رأس النفاق من الحصول على حقن دماء حلفائه بنى قينقاع المتمردين الناكثين، فغادروا يثرب سالمين بعد أن كانوا يتوقعون الموت جزاء نكثهم وتمردهم.