وقد كانت كارثة المدينة كارثة كبيرة موجعة (دونما شك). إلا أن الفرق كان شاسعًا بين مكة والمدينة في تلقي كل منهما خبر كارثته.
فإن مشركي مكة إذا كانوا قد تلقوا نبأ كارثتهم في بدر بشيء من الانهيار والاضطراب والهلع، فإن المدينة قد تلقت نبأ كارثتها في أُحد بصبر وإيمان وثبات وشجاعة منقطعة النظير.
فلم يظهر على أحد من أهلها أي أثر للهلع أو الاضطراب والانهيار والتخاذل، لما أصاب جيشها في أُحد.
ولا أدل على ذلك من أن امرأة مسلمة فقدت ابنها وزوجها وأخاها وأباها في معركة أُحد فلم تذهل ولم يخرجها وقع المصيبة العظيمة عن حدود الاعتدال، وهي المرأة الدينارية التي ذهبت إلى مكان المعركة فرأت ابنها وزوجها وأخاها وأباها قتلى مضرجين بدمائهم فلم تكترث (فضلًا عن أن تفقد توازنها) وإنما ظلت تسأل عن مصير إنسان أحب إليها من هؤلاء الأربعة جميعًا، وهو محمد الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي لما رأته سالمًا أعلنت أن كل مصيبة مهما عظمت تهون بجانب سلامته.
إنه الإيمان (إذن) ولا شيء أعظم من الإيمان ..
[منع النياحة على القتلى]
غير أن أهل المدينة (كما هي عادة العرب قبل الإسلام) ناحوا على قتلاهم، فارتجت المدينة بأصوات الباكيات يندبن الشهادة، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى في تلك الليلة عن النياحة على الموتى، فصارت النياحة محرمة في الإسلام تحريمًا قاطعا إلى الأبد.