للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عودة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة]

وبات - صلى الله عليه وسلم - بمنى ثلاث ليال فلم يتعجل في يومين ثم غادر منى يوم الثلاناء وهو رابع أيام التشريق واتجه التي المحصَّب وهو شعب يصب في الأبطح بين مكة ومنى (١)، ويسمى في الجاهلية خيف كنانة، وقد ضرب للنبي - صلى الله عليه وسلم - في المحصَّب أبو رافع (٢) قبة، فحط - صلى الله عليه وسلم - رحاله بالمحصَّب، وصلى به الظهر والعصر، وكان المحصب له تاريخ مشهور في الجاهلية، وذلك أن قريشًا وبنى كنانة (عند بداية الدعوة) تعاهدوا وتحالفوا علي بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم، ولا يكون بينهم وبينهم شيء حتى يسلموا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولذلك قصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكون المحصَّب منزله بعد خروجه من منى.

ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال - حين أراد أن ينفر من منى -: "نحن نازلون غدًا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا عليَّ الكفر"، يعني بذلك المحصّب، قال الإمام ابن القيم: فقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - إظهار شعائر الإسلام في المكان الذي أظهروا فيه شعائر الكفر والعداوة لله ورسوله، وهذه كانت عادته - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم شعار التوحيد في موضع شعائر الكفر والشرك، كما أمر - صلى الله عليه وسلم - أن يبنى مسجد الطائف موضع اللات والعزّى (٣).

وبعد أن صلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر ثم المغرب والعشاء رقد رقدة ثم نهض إلى مكة فطاف للوداع ليلا سحرًا، ولم يرمل في هذا الطواف. وطاف المسلمون معه، ثم نادى في أصحابه بالرحيل فارتحلوا، فلما كان بالروحاء (٤) لقى ركبًا فسلم عليهم وقال: "من القوم؟ " فقالوا:


= يكون - صلى الله عليه وسلم - قد خطب في حجته خطبًا أربعًا. خطبة بمكة قبل طلوعه الحج، والخطبة يوم عرفة بنمرة، وخطبة يوم العيد ويوم الحج الأكبر بمنى، وخطبة ثاني أيام التشريق بمنى أيضًا.
(١) النهاية ج ٢ ص ٢٥٥.
(٢) زاد المعاد ج ١ ص ٤٩٦.
(٣) زاد المعاد ج ١ ص ٤٩٩.
(٤) الروحاء تقع على بعد حوالي ٦٠ كيلو متر من المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>