لقد دلت الأحداث وأثبتت الوقائع أن سادات يهود بني النضير (بعد أن دانت لهم خيبر) قرروا (وبمنتهى الإصرار والعناد) أن يستخدموا كل طاقات اليهود من مالية وفكرية وبشرية لهدم كيان المسلمين وإطفاء نور الإسلام في المدينة.
لقد كان كل شيء مادى في خيبر يوحى على نحو، لا يقبل الجدل، بأنه بإمكان اليهود أن يجهزوا (وبكل سهولة) جيشًا ضخمًا لغزو المسلمين في عقر دارهم وحاضرة دولتهم (المدينة).
فيهود خيبر وحدهم (وحسب تقديرات المؤرخين) قادرون على حشد تسعة آلاف مقاتل، فإذا أضفنا إليهم ألفًا من يهود بني النضير المنفيين القادرين على حمل السلاح ومباشرة القتال، اتضح لنا، أن خيبر في ذلك الوقت (وهو السنة الرابعة من الهجرة) قادرة على تجريد قوة ضاربة تبلغ عشرة آلاف مقاتل (١) لمحاربة المسلمين وغزوهم في المدينة التي لا يوجد فيها في تلك السنة أكثر من ألف مقاتل من المسلمين المخلصين.
غير أنه مع هذا لم نَر أحدًا من المؤرخين ذكر (فيما نعلم) أن هناك عزمًا قد تبلور لدى هؤلاء اليهود لأن تقوم قواتهم من خيبر بغزو المسلمين في المدينة.
وليس بالإمكان أن نجد (على وجه التحديد) تفسيرًا لإحجام اليهود في خيبر عن الإقدام على غزو المسلمين، مع توفر الإمكانات المالية والبشرية الضخمة لديهم والتي تمكنهم من أن يقوموا (في سهولة) بمثل هذا الغزو، لأنه حتى الآن لم يصل إلى يدينا شيء من مصادر التاريخ القديمة تفسر لنا سر هذا الإحجام مع رغبة هؤلاء اليهود الملحة في القضاء على المسلمين.
[لماذا أحجم اليهود عن غزو المدينة؟]
إلا أنه يمكن التكهن بأن هناك سببين رئيسيين حالا دون تحرّك اليهود من خيبر لغزو المسلمين في المدينة.