فعادت الذكريات الأليمة بأبي سفيان إلى الأيام التي ساندت فيها قريش بني بكر في غدرهم بخزاعة. فقال: نعم، أهل شؤم والله، الذين غزانا محمد بسببهم، أما والله ما شوورت فيه ولا علمته، ولقد كنت له كارها، حيث بلغني، ولكنه أمر حُم. فقال العباس: قد خار لك الله في غزو محمد - صلى الله عليه وسلم -، ودخلتم في الإِسلام كافة.
ثم مرت قبيلة أشجع النجدية في ثلاثمائة مقاتل. يقودهم معقل بن سنان، ونعيم بن مسعود. فقال أبو سفيان -: وقد عرفهم -: هؤلاء كانوا أشد العرب على محمد - لأنهم من غطفان الذين حاولوا احتلال المدينة في غزوة الأحزاب الرهيبة ...
فقال العباس: أدخل الله الإِسلام في قلوبهم. فهذا من فضل الله عز وجل، فسكت أبو سفيان، ثم قال: ما مضى بعد محمد؟ قال العباس: لم يمض بعد، لو رأيت الكتيبة التي فيها محمد - صلى الله عليه وسلم - رأيت الحديد، والخيل والرجال، وما ليس لأحد به طاقة، قال: أظن والله يا أبا الفضل، ومن له بهؤلاء طاقة؟ .
[الرسول يختتم العرض العسكري]
وبعد أن أكملت القبائل العربية استعراض قواتها أمام أبي سفيان. أقبل الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - يمتطى ناقته القَصْوى في المهاجرين والأنصار الذين كانت لهم قواتهم حوالي خمسة آلاف مقاتل.
وقد كان عامة الجيش من المهاجرين والأنصار، يقدمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلما طلعت كتيبة الخضراء (١) طلع سواد وغبرة من سنابك الخيل، وجل الناس يمرون، وأبو سفيان يقول: ما مرَّ محمد؟ فيقول له العباس: لا. حتى إذا ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ناقته القصوى. قال العباس لأبي سفيان: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(١) سميت هذه الكتيبة بالخضراء لكثرة ما فيها من الحديد الذي جعل لونها لونا أخضر.