للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عدد وسني ملوك الغساسنة في الشام]

أما عدد الملوك منهم والمدة التي كانوا يتداولون الملك فيها بالشام فقد اختُلف فيه اختلافًا كبيرًا كما هو الشأن بالنسبة لأحداث ما قبل الإِسلام فمن المؤرخين (كما تقدم) من يقول: إنهم ٣٢ ملكًا ومنهم من يقول: إنهم ١٠ ومنهم من يقول: إنهم ٩ ومنهم من يقول: إنهم ١١.

أما مدة ملكهم فلم أر أحدًا من المؤرخين حاول ضبطها سوى اثنين من المؤرخين كلاهما يبذل الجهد في الدقة والتحرى.

أحدهما حمزة الأصفهانى وهو من أقدم محققى الإِخباريين المسلمين، فقد ذكر في كتابه (تاريخ سنى ملوك الأرض والأنبياء) أن عدد ملوك غسان في الشام ٣٢، وأن مدة حكمهم كانت ستمائة سنة (١).

والآخر الباحث الألمانى (نولدكه) وهو محقق ألمانى بذل مجهودًا كبيرًا في تحرى تاريخ العرب قبل الإِسلام فقد ذكر نولدكه أن عدد ملوك غسان هم (فقط) عشرة ملوك، وأن مدة حكمهم للشام كانت أربعمائة سنة فقط (٢).

أما من ناحية كون ملوك الغساسنة في الشام بلغوا ٣٢، كما ذكره حمزة، فذلك غير مستبعد. لأنَّ كلمة ملك والتي أطلقها الإِخباريون إنما كانت (تجاوزًا) وليست بمعنى أن الشام كلها ليس لها سوى ملك عربي متوج واحد في كلّ عصر. وإنما تعنى في واقعها كلمة (أمير) لأنَّ الغساسنة (منذ جاءوا إلى الشام) وهم يأتمرون بأمر أباطرة الرومان ويحكمون مناطق الشام باسمهم، وملوك الرومان لا يمكن أن يسمحوا لتابع لهم يحكم باسمهم أن يسمى نفسه اسم (ملك).

فحكام الغساسنة طوال عهدهم في الشام إنما كانوا في واقعهم أمراء مرتبطين بالتاج البيزنطى أطلق الأخباريون (تجاوزًا) عليهم كلمة ملوك.

إذن من الجائز الممكن أن ينصب الرومان (في آن واحد) عدة أمراء من الغساسنة على عدة أقاليم من الشام. فيكون في عصر واحد عدة أمراء منهم


(١) تاريخ سني ملوك الأرض والأنبياء ص ٩٩ وما بعدها.
(٢) Noeldeke ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>