ويظهر أن قيادة الأحزاب إنتابها السأم والملل بعد أن ظلت جيوشها أكثر من عشرين يومًا حائرة لا تدرى ماذا تصنع حيال هذه المكيدة الحربية العظيمة (الخندق) الذي يسر للمسلمين مهمة الدفاع عن مدينتهم إلى أبعد الحدود، فقد بقيت (طيلة هذه المدة) عشرة آلاف مقاتل من جيوش الأحزاب معطلة الحركة غير قادرة على القيام بأي عمل عسكري يذكر ضد المسلمين.
وليس أبعث على التذمر بين الجنود (وخاصة في ذلك العصر) من تجميدهم من معسكراتهم سيما إذا كانوا بعيدين عن أهاليهم وأوطانهم.
[المحاولة الأخيرة لاحتلال المدينة]
ويظهر أن قيادة الأحزاب لهذا كله قد قررت (بالرغم من فشل كل المحاولات التي قامت بها للعبور ناحية المسلمين) أن تقوم بمحاولة أخيرة لإجبار المسلمين على خوض معركة فاصلة، وكانت المحاولة هذه المرة أكبر من كل المحاولات التي سبقتها، وكانت مسبوقة بتخطيط ودراسة اشترك فيها كبار قادة الأحزاب الذين كانوا (كقادة جيوش مسئولين) يقدرون خطورة بقاء جيوشهم الجرارة تلك معطلة الحركة في معسكراتها بعيدة عن أوطانها وأهاليها، لا سيما وأن المحارب البدوى الذي هو عماد جيوش الأحزاب لم يتعود إلا على الحرب السريعة الخاطفة التي لا تزيد (في أطول أوقاته) على يوم واحد.
فقد جاء كل قادة الفرق من قريش بكل ما تحت يدهم من سلاح الفرسان إلي مشارف الخندق، ومن ورائهم كثير من المشاة وقفوا خلفهم كاحتياطى لدعوته عند اللزوم.