والأرجح أن غسان الذي أطلق على من يسمون بهذا الاسم، ليس اسم رجل، وإنما هو اسم لماء في إحدى المناطق بجنوب الجزيرة (اختلف في تحديد موقعها). قالوا: فكل من ورده من أبناء الأزد أطلق عليه وعلى من تناسل منه اسم (غسان)(انظر معجم قبائل العرب للأستاذ رضا كحالة ج ٣ ص ٨٨٤ وما بعدها) وانظر أيضًا (تاريخ ابن خلدون ج ٢ ص ٥٨١).
[كيف ومتى جاء الغساسنة إلى الشام]
تقدم في هذا التمهيد أن أجيالًا من العرب كانت تسيطر على الشام وتحكمها منذ فجر التاريخ (عاد الثانية قبل بني إسرائيل بقرون طويلة). (الأنباط منذ عهد هيروديس اليهودى عميل الرومان قبل الميلاد وحتى أوائل القرن الثاني للميلاد) وعائلة آل حسان (أسرة أذينة) حتى أواخر القرن الثالث للميلاد. ثمَّ القضاعيون من حمير الذين كانوا آخر من ملك (من العرب قبل الغساسنة) الشام، أو بالأحرى (مشارف الشام) حتى نافسهم الغساسنة وحلوا محلهم في امتلاك الشام (تحت النفوذ الروماني) بعد حروب خسرها الغساسنة وخضعوا لذلك (فترة من الزمن) للقضاعيين يؤدون الأتاوة (الجزية) لهم حتى تغلب الغساسنة نهائيًا وأزالوا ملك القضاعيين بعد أن قتل أحد محاربيهم الفُتّاك (جذع الغساني) سبيطًا القضاعى عندما طلب منه الجزية التي اعتادت قضاعة أن تأخذها من الغساسنة.
أما متى جاء الغساسنة إلى الشام، فليس هناك تحديد دقيق لتاريخ مجيئهم إليها، غير أن مما لا خلاف فيه أن نزوحهم إلى الشام إنما كان بعد الميلاد لأنَّ انهيار سد مأرب الذي تفرق بعده أبناء الملك (ماء السماء مزيقيا) - ومنهم الغساسنة - إنما كان في أوائل القرن الأوّل للميلاد (١).
[مواطن الغساسنة بعد انهدام السد وقبل نزوحهم إلى الشام]
غير أن الذي تميل إليه النفس بالمقارنة هو أن الغساسنة لم ينزلوا الشام ويستوطنوها إلا في أوائل الستينات من القرن الثاني للميلاد.
(١) انظر تاريخ العرب قبل الإِسلام للأستاذ جورجى زيدان.